نشرت مجلة "ناشونال انترسيت" مقالا لبيير بهلوي، البروفيسور في الكلية الملكية العسكرية بكندا، قال فيه إن حزب الله اللبناني تطور على مدى العقد الماضي إلى واحد من "أبطال الإنترنت" على الساحة العالمية اليوم.
وقال بهلوي، إن حزب الله منذ إنشائه عام 1982، بدعم من الحرس الثوري الإيراني، كان عاملا مهما في كسر عزلة طهران، وتوسيع بصماتها في الشرق الأوسط، ولعب حزب الله كمنبر استطاعت من خلاله إيران نشر تأثيرها وعقيدتها في المنطقة، وإطالة استراتيجياتها غير العسكرية.
أضاف: "وعادة ما يوصف التعاون مع لاعب غير حكومي بأنه دولة داخل دولة، والاعتماد على شبكاته بطريقة تملأ الفراغ ما بين الجهود الرسمية والوصول إلى الشباب والمستهلكين والساسة وصناع الرأي في لبنان والشرق الأوسط. وباعتماد طهران على حزب شيعي لتكبير صدى رسالتها في الشارع العربي، فإنها عوضت ضعف إيران في العوالم التقليدية، وخلق حدود افتراضية مع إسرائيل، وتحدي السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي العمق الإستراتيجي لها".
وشدد على أن حزب الله مزج بين الأساليب التكنولوجية النفسية المتقدمة وطرق الحرب غير النظامية، رائدا في فن استراتيجية التأثير متعددة الأوجه، بشكل ساعده على نشر تأثيره، دون الحاجة للمواجهة العسكرية المباشرة مع أعدائه الأقوياء.
وأشار بهلوي إلى أن الحزب استلهم أساليبه بدعم من إيران، بحيث حول أساليب الضغط من حرب الشوارع وميادين الحرب نحو المواجهات مع خصومه الغربيين. فبعد استخدامه كمساعد في حرب العصابات، أسهمت إيران في تطور الحزب إلى وكيل سايبري قادر على تكبير القوة الأيديولوجية الإيرانية. وعلى مدى السنين، تطورت هذه القوة الخطيرة لكي تصبح واحدة من أبطال العالم السايبري المهمين.
وتابع: "في سياق حزب الله، تركزت سياسة التواصل الدينية الإيرانية على نشر الرسائل المؤيدة للنظام، من خلال المساجد والحسينيات، وشبكات الإعلام المرتبطة بالجمهورية، مثل هيئة الإذاعة للجمهورية الإسلامية. وواحد من أهم القنوات المرئية في الدبلوماسية الموجهة للتجمعات الشيعية المحلية العربية، هي قناة "العالم"، التي قدمت للناطقين الشيعة العرب الأخبار المؤيدة لإيران. وتم إنشاؤها في عام 2003، خلال الغزو الأمريكي للعراق بمكاتب في كل من طهران وبغداد وبيروت".
كما ظهرت قناة المنار عام 1991، التي وضعت نفسها في مركز دعاية إيران بإدارة حزب الله وداعميه الإيرانيين. وعبرت القناة عن هدفها في صفحتها على الإنترنت بأنها أول قناة عربية تهدف لشن حرب نفسية ضد العدو الصهيوني. وكان العائدات بالنسبة لطهران كبيرة، فقد تحولت المنار لقناة وكيلة لبث الرسائل الإيرانية الأيديولوجية. ولدعم الشراكة، تم في تشرين الأول/ أكتوبر إنشاء المنظمة الوطنية للدفاع السلبي، وهي منظمة سايبر للنخبة؛ بهدف نشر المصالح الإيرانية، وتنظيم "الوسائل غير الفتاكة"، بما في ذلك الأعمال النفسية واستخدام القنوات الإعلامية.
وأصبحت منظمة الدفاع السلبي تعمل كجزء من عجلة التأثير الإيراني مع حزب الله لنشر "عقيدة المقاومة في المنطقة". وبهذه الطريقة، أتقن حزب الله وقنواته الفضائية فن الدبلوماسية العامة؛ لإثارة مشاعر السكان العرب ضد واشنطن، لدرجة أن الكثير من المراقبين الأمريكيين ربطوا في عام 2002 المشاعر المعادية لأمريكا بما تبثه الدعاية الإيرانية وقناة المنار من رسائل معادية للولايات المتحدة.
وشدد بهلوي على أن الحرب التي استمرت 33 يوما بين الحزب وإسرائيل في عام 2006 مثلت نقطة تحول في الشراكة الإعلامية بين الحزب وإيران، فقد ساعدت الحرب الحزب على تحقيق انتصار رمزي على إسرائيل وجيشها، وهو انتصار تحقق في الإعلام والفضاء الإلكتروني. وقال رون شيفر من جامعة أرييل: "كيف فرضت قوة من مئات المقاتلين إرادتها على أكبر قوة عسكرية في المنطقة".
ورأى أن المواجهة بين الحزب وإسرائيل هي أوضح مثال عن الحرب النفسية غير المتكافئة. وهي مثال على قدرة طرف ضعيف التوازي مع قوة ضاربة وأخذ المبادرة منها.
واستفاد الحزب من نظام الحرب النفسية القوي الذي أشرفت عليه وحدة التجسس، وعملت بذكاء على نشر الصور المؤثرة على السكان المحليين وفي المنطقة والمشهد الدولي. ولعبت قناة المنار التي تعدّ مركز الحرب النفسية للحزب دورا حاسما، فقد كانت أول قناة تعلن عن خطف الجنديين الإسرائيليين، وأول من استضاف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عندما قال: "نحن نقترب من النصر".
وفي غضون شهر، تحول الحزب من جماعة إسلامية مسلحة إلى أهم حركة مقاومة ضد الصهيونية الإمبريالية، والفضل يعود لآلة الدعاية التي قدمتها المنار.
وفي تقرير لشركة تكنولوجيا بريطانية "سمول ميديا"، كشف أن إيران زادت من استثماراتها في الأمن الإلكتروني بنسبة 1.200%، وذلك ما بين 2013 و2015. وانسحبت النفقات الكبيرة على الحرب الإلكترونية على حزب الله، الذي زاد من استثماراته وجهوده من "أجل قدراته الإلكترونية".
وكشفت شركة التهديد الاستخباراتي الإسرائيلية، تشيك بوينت سوفت وير، في 2015، عن ولادة جيش حزب الله الإلكتروني، وشن حملة "الأرز المتطاير"؛ بهدف اختراق البرمجيات الإسرائيلية والغربية، وهي حملة متقدمة نظرا للتعاون بين جيش حزب الله والحرس الثوري الإلكترونيين.
وفي منتصف عام 2010 اكتشف قادة حزب الله وهم يقومون بنشاطات تجسس وتخريب إلكترونية تقليدية، أنهم يستطيعون الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي لنشر التأثير. وقدمت شركات فيسبوك وتويتر وواتساب وسغنال وتليغرام، التي انتشرت بشكل واسع، الفرصة لجيش حزب الله الإلكتروني لكي يجمع ويرتب وينشر المعلومات، وتقديم نفسه بـ"جبهة المقاومة" ضد أمريكا والسعودية وإسرائيل. واستخدم الحزب الممنوع من فتح حسابات باسمه في هذه الشركات، كحساب تويتر المنار الذي زاد عدد المعجبين به إلى نصف مليون.
وسرعان ما توسعت عمليات الجيش الإلكتروني لنشر الرسائل عبر خلايا أجنبية، وهي وإن كانت ساكنة وبعيدة عن النظر، إلا أنها نشطة وفاعلة في العالم السايبري. وأصبح الملصق والإذاعة والكتيبات أمرا من الماضي. ورغم وصول تكنولوجيا الأمن الإلكتروني لحزب الله إلى درجة النضج، إلا أن جيش الحرس الثوري الإيراني الإلكتروني مستمر في تقديم المواد والمحتويات والدعم المادي والمعنوي لجيش الحزب، لدرجة وصف جنرال إسرائيلي الحزب بأنه "مقاول فرعي" عن الحرس.
وشدد الكاتب على أن جيش حزب الله الإلكتروني يستخدم الوجود على فضاء السايبر للقيام بعمليات تجنيد لكوادره وليس فقط للقوة الناعمة. وينظم الجيش مؤتمرات ومعسكرات في لبنان، حيث يتم تدريب الأجانب على أساليب التضليل والتأثير الإلكتروني، حسبما ذكرت صحيفة "تلغراف" في آب/ أغسطس.
وإلى جانب التدريب على الحروب الإلكترونية، فإن الهدف هو بناء "مزارع ذباب إلكتروني"، والانضمام لتحالف رقمي إلى جانب حزب الله وإيران. وبعد نهاية التدريب، يرسلون إلى دول أخرى مثل اليمن، حيث يستفيد الحوثيون من الخبرات، والعراق للعمل مع مشغلي كتائب حزب الله وعددهم 400، حسب المصادر الأمريكية.
ولا تقتصر جهود جيش الحزب الإلكتروني على الشرق الأوسط، بل انتشر عالميا لمواجهة الحملات الإلكترونية الأمريكية والأوروبية، والاستفادة من الاستقطاب داخل الدول، وتقويض ثقة الناس بالديمقراطية. وقاد حزب الله وإيران حملات إلكترونية ضد إدارة دونالد ترامب. ويشك بقيامها بحملات تأثير في غرب أفريقيا، مثل مالي وغينيا وبينين وموريتانيا.