تعمل محطة الجزيرة على إخراج وإنتاج فيلماً وثائقياً عن قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي للصحفية الأميركية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، يوم 11 أيار 2022. ومن المتوقع أن يقدم الفيلم الوصف الأكثر تفصيلاً حتى الآن عن اللحظات التي سبقت، وواكبت وتبعت اغتيال الصحفية الشهيرة، بما في ذلك مقطع فيديو للحظات المحيطة بإطلاق النار، بحسب ما كشفته صحيفة "غارديان".
ومن المرجح أن يؤدي الفيلم الوثائقي الجديد عن مقتل الصحفية شيرين أبو عاقله من قبل على يد قناص إسرائيلي إلى زيادة الضغط على إدارة بايدن لضمان السماح لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق الكامل في وفاتها بعد أن قالت إسرائيل إنها لن تتعاون.
وتقول صحيفة غارديان أن "الفيلم الوثائقي فولتلاينز Faultlines، (خطوط التصدع) لشبكة الجزيرة، هو الرواية الأكثر تفصيلاً حتى الآن للأحداث التي وقعت خلال الغارة الإسرائيلية على مدينة جنين بالضفة الغربية في شهر أيار الماضي".
من خلال تسجيلات الفيديو قبل وأثناء إطلاق النار، ومقابلات مع صحفيين آخرين في مكان الحادث، يفكك الفيلم الوثائقي رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي الرسمية المتغيرة التي ألقى باللوم بها في البداية على الفلسطينيين لقتل أبو عاقله ثم ادعى كذباً أنها وقعت في تبادل لإطلاق النار خلال معركة بالأسلحة النارية، حيث تعرض قناة الجزيرة بالفيديو دليلاً على أن جندياً إسرائيلياً واحداً على الأقل كان يستهدف الصحفيين.
ويثير الفيلم الوثائقي أيضًا تساؤلات حول سبب تبني إدارة بايدن للرواية الإسرائيلية للأحداث ومقاومة تحقيق أميركي مستقل في مقتل مواطنة أميركية إلى أن أجبرتها ضغوط من أعضاء الكونجرس على الموافقة على تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي، علما بأن البيت الأبيض ووزارة الخارجية تنصلتا من قرار وزارة العدل الأميركية بإطلاق تحقيق من قبل "مكتب التحقيقات الفدرالي - FBI فور الإعلان عن إطلاق التحقيق يوم 14 تشرين الثاني الماضي.
وبحسب غارديان "يُظهر مقطع فيديو الصحفية أبو عاقلة وصحفيين آخرين متجمعين عند مفترق طرق على بعد حوالي 200 يارد من رتل عسكري إسرائيلي فيما يسود الهدوء المنطقة حيث يتقدم المراسلون الذين يرتدون لافتات كبيرة تشير إلى أنهم "صحافة" (وبزات صدرية وخوذ عليها كلمة صحافة) على بعد أمتار قليلة في الشارع باتجاه القافلة الإسرائيلية، أصابت أول دفعة من الرصاص الزميل في صحيفة القدس (والمنتج في شبكة الجزيرة) علي الصمودي.
ويسمع صوت شيرين وهي تصرخ قائلة: "علي مجروح، علي مجروح" فيما تحاول البحث عن ملجأ خلف شجرة مع صحفية أخرى، شذى حنايشة، ولكن قبل أن تتمكن من الوصول إلى هناك سقطت أبو عاقلة بنيران إسرائيلية مستمرة.
وبحسب الفيديو، عندما توقف إطلاق النار، يمكن رؤية حنايشة المذهولة وهي تركع وتزحف وتصل إلى مراسلة الجزيرة التي سقطت، ولكن عندما خرجت من خلف الشجرة، أجبرتها جولة أخرى من النيران على ظهرها.
وفي ذلك الوقت، بحسب تقرير غارديان، لم تستوعب بعد حنايشة مدى خطورة إصابة شيرين. وتقول حنايشة "أتذكر عندما رأيت الدم على الأرض، عندما بدأ الدم ينزف، أدركت أنها أصيبت برصاصة في رأسها".
وعندما يقفز شاب من فوق الحائط – بحسب الفيديو- لمحاولة إخراج أبو عاقلة من خط النار، يتم إطلاق النار عليه أيضًا، وتخلى عن المحاولة وبدلاً من ذلك ساعد حنايشة للوصول لمكان آمن.
ويقدم تجميع الفيديو وروايات شهود العيان أدلة دامغة على أن الرواية الإسرائيلية الرسمية لإطلاق النار كانت مليئة بالأكاذيب. كما يتحدى بشكل جذري الادعاء، الذي لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتمسك به، بأن أبو عاقلة قُتلت بنيران طائشة في وسط معركة بالأسلحة النارية.
يظهر الفيديو أنه لم تكن هناك معركة من هذا القبيل، فقط رشقات نارية مطلقة من قبل جنود القوات الإسرائيلية استهدفت بشكل واضح الصحفيين فقط.
ويتضمن الفيلم الوثائقي إعادة بناء توضح أنه مع المشاهد النموذجية للبنادق الإسرائيلية، كان جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي يحتفظون بمجال رؤية واضح تماما أن الصحفيين كانوا يرتدون بزات ولافتات تشير إلى أنهم صحفيون وأنهم لا يحملون أسلحة، كما يظهر بشكل واضح أن جنوج الجيش الإسرائيلي أطلقوا عدة رشقات نارية على من يحاولون إخراج أبو عاقلة من خط النار، علما بأنهم لا يتقدمون في الشارع ولا يشكلون أي تهديد واضح للإسرائيليين.
يذكر أنه بعد إطلاق النار، سرعان ما حاولت إسرائيل إلقاء اللوم على مقتل الصحفية شيرين أبو عاقله على الفلسطينيين، ونشرت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي شريط فيديو ادعى فيه مسلحون فلسطينيون أنهم أطلقوا النار على جندي إسرائيلي، واستخدم الجيش (الإسرائيلي) هذا الفيديو ليقول إنه لم يتم إطلاق النار على أي من الجنود ألإسرائيليين، ما يرجح أن المقاتلين الفلسطينيين هم الذين قتلوا أبو عاقلة، ظنًا أنها جندي إسرائيلي لأنها كانت ترتدي خوذة، وهي رواية، ثبتت عدم صحتها على الفور.
وأتبع الجيش الإسرائيلي ذلك بسلسلة من التغريدات، كان آخرها يشير بأصابع الاتهام إلى الفلسطينيين.
بعد ذلك كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية تغريدات مستندة إلى تأكيدات الجيش الإسرائيلي بنقل المسؤولية إلى الفلسطينيين، ولكن أظهرت إحدى منظمات حقوق الإنسان الرائدة في إسرائيل "بتسيلم" بسرعة زيف مزاعم الجيش الإسرائيلي من خلال إظهار أن الشارع الذي شوهد في الفيديو الذي نشره الجيش على تويتر كان على بعد مسافة من الشارع الذي قُتلت فيه الصحفية أبو عاقلة.
ثم حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يلفق إحداثيات تشير إلى أن أبو عاقلة وقعت في مرمى نيران متبادلة لأن "مسلح فلسطيني أطلق عدة طلقات من النيران على جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي" لكن، كما يُظهر الفيلم الوثائقي، لم تكن هناك معركة بالأسلحة النارية، ولم يكن هناك مقاتلون فلسطينيون في الموقع، ولم يكن الجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار على أبو عاقلة تحت مرمى النار في ذلك الوقت.
وبحسب صحيفة غارديان، قال مدير "بتسيلم" حجاي العاد، للجزيرة إن للجيش الإسرائيلي تاريخًا في تلفيق مزاعم كاذبة حول قتل مدنيين فلسطينيين على يد جنوده من أجل خلق البلبلة حول ما حدث بالفعل. وقال إلعاد في الفيلم الوثائقي "إنهم معتادون على الإفلات من الكذب بشأن قتل الفلسطينيين في كل من الساحة العامة والساحة القانونية".
ويضيف إلعاد :"فيما يتعلق بمحاولة السيطرة على السرد، يمكنك أن ترى كيف تغيرت نسختهم (روايتهم) من ربما كان فلسطينيًا .... لسنا متأكدين من فعل ذلك .... ربما كنا نحن .... نحن (تحت ظروف صعبة)... كل تغيير في تلك الرواية لم يكن بتطوع من إسرائيل، بل أن كل تغيير في سرد الرواية كان نتيجة التحقيقات والحقائق ووصولهم إلى النقطة التي لم يكن لديهم خيار آخر".
إلا أن هذه الإستراتيجية الإسرائيلية تمكنت من تحقيق نجاحاً واحداً على الأقل، حيث تبنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذه الرواية الإسرائيلية على نطاق واسع (لتسلسل ألأحداث التي تفيد بأن أبو عاقلة ربما قتل على يد جندي إسرائيلي، لكن إطلاق النار كان حادثًا غير مقصودا في وسط معركة بالأسلحة النارية".
وبحسب غارديان، قال العاد من "بتسيلم" إنه من "المشين" أن تعتمد الولايات المتحدة على التقارير الرسمية الإسرائيلية لأنها لم تكن تهدف للوصول إلى الحقيقة ولكن لحماية جنود جيش الدفاع الإسرائيلي من المساءلة القانونية والفوز بمعركة العلاقات العامة.
وقال "هذه تحقيقات زائفة لكن الجيش الإسرائيلي استثمر فيها الكثير من الموارد". "إنه متعمد. تصل إلى الإفلات من العقاب لكنك لا تدفع الثمن في الساحة العامة لأننا نحقق".
لكن لم يقتنع الجميع في واشنطن، وطالب العشرات من أعضاء الكونجرس الولايات المتحدة بإجراء تحقيق مستقل ، نظرًا لكون أبو عقلة مواطنًا أمريكيًا.
وكان من بينهم السيناتور كريس فان هولين (الديمقراطي من ولاية ميريلاند) الذي رفض التقرير الإسرائيلي، وصرح للجزيرة إن إدارة بايدن لم تف بـ "واجبها في متابعة الحقائق أينما كانت" لكشف حقيقة مقتل مواطن أميركي.
وقال: "يبدو أنهم تراجعوا، لكنني أعتقد، ويعتقد العديد من زملائي، أنه يتعين علينا أن نصل إلى منبع هذا الأمر وأنه لا يمكن كنسه تحت البساط".
يذكر أن مقابلة السيناتور كريس فان هولين المذكورة، كانت قد أجريت قبل تسريب أنباء في إسرائيل الشهر الماضي مفادها أن مكتب التحقيقات الفدرالي كان، يخطط للتحقيق في ملابسات مقتل أبو عاقله. أعضاء الكونجرس الذين ضغطوا من أجل مثل هذا التحقيق رأوا فيه انتصارًا لأولئك الذين رفضوا ترك الأمر يسقط، بما في ذلك عائلة أبو عاقلة، الذين خاضوا حملات مستمرة من أجل المساءلة.
وقد صرحت "إسرائيل" إنها لن تتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ( FBI ) لأن التحقيق يعتبر تدخلاً في شؤونها الداخلية ، على الرغم من أن جنين ليست جزءًا من إسرائيل ولكنها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الخاضعة للولاية القضائية الدولية لاتفاقية جنيف الرابعة.