بدا تجمع المئات أمام المدرسة في قرية الخان الأحمر، مثيراً لدهشة الطلبة، الذين عادوا صباح اليوم الاثنين، إلى مقاعد الدراسة، بعد انقضاء إجازة الربع الثاني من العام الدراسي.
لا يعلم السواد الأعظم من التلامذة سبب ما يحدث خارج المدرسة، بعضهم يقف خلف سياج معدني وأمام جدار أحد الصفوف كتب عليه "اني اخترتك يا وطني"، لاستكشاف دواعي الجلبة، فيستمعون لهتافات وكلمات ويتابعون أشخاصا يرفعون أعلام فلسطين ويلوحون بها، أمام مجموعة من المستوطنين تجمعوا على تلة مقابل القرية.
"سيهدمون الخان"، قال أحد الطلبة اليافعين بتعابير ممتعضة، بعد استطلاع سريع لما يجري، وعاد أدراجه إلى صفّه المجاور لمدخل المدرسة، بصحبة اثنين من زملائه.
داخل الصف الثاني، فتحت إحدى الطالبات عينيها على آخرهما، وصكت وجهها، ما أن تناهى إلى مسامعها خبر احتمال تدمير المدرسة، إذا ما هُدمت القرية.
وراحت تفاضل مع جاراتها في مقاعد الصف بين الخيارات المتاحة لمدرسة المستقبل، إحداهن قد تذهب إلى أبو ديس، وأخرى للعيزرية، وثالثة إلى أريحا.
أما الطفلة المشدوهة، فتود لو تبقى في مدرستها هذه القريبة على مكان سكناها، وإن اضطرت لمغادرتها فلا بأس بالالتحاق بمدرسة في بئر السبع بالنقب، عند أبناء أخوالها.
في المدرسة التي دشنت في أيلول/ سبتمبر 2009، وبنيت بادئ الأمر من الطين والإطارات المطاطية، يتلقى اليوم 152 تلميذاً تعليمهم في 11 صفاً، تتراوح بين التمهيدي وحتى العاشر الأساسي.
الطلبة المنحدرون من خمسة تجمعات بدوية شرقي القدس المحتلة، والذين يتشاركون اليوم مقاعدهم، قد يتشاركون بعد أيام عناء البحث عن مدرسة أخرى، إذا ما نفذت حكومة الاحتلال وعيدها بهدم قرية الخان الأحمر وترحيل سكانها، البالغ عددهم نحو 200.
في التلة التي تطل على الخان، تجمهر عدد من المستوطنين إلى جانب عضوي الكنيست من حزب "الليكود" اليميني، داني دانون ويولي ادلشتاين، بهدف الضغط على رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو للعمل على إخلاء القرية، بحلول الأول من شباط / فبراير المقبل.
وفي ذلك اليوم، ستعقد محكمة الاحتلال "العليا" جلسة للنظر في تفعيل قرار الهدم والترحيل، أو تجميده لمدة ستة أشهر إضافية.
ومؤخراً، أعلن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير، أنه سيطلب من الحكومة إخلاء قرية الخان الأحمر، بشكل فوري.
يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، إن الاستعداد يجب أن ينطلق من ترجيح أن تقدم حكومة الاحتلال على خطوة حمقاء بتنفيذ قرار الهدم.
وذكّر شعبان، أن الائتلاف الحاكم في تل أبيب قام على عديد من التفاهمات، في مقدمتها توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية وخطة الضم وإخلاء التجمعات الفلسطينية، خاصة في المناطق المصنفة "ج".
وشدد على أن الرد الفلسطيني سيكون أكثر شراسة وإرادة من الفترة التي سبقت محاولات هدم قرية الخان الأحمر عام 2018، والتي شهدت اعتصامات مفتوحة للمقاومة الشعبية في الخان وبين مواطنيه.
بدوره، أوضح مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، أن قادة الجماعات الاستيطانية الذين كانوا يحثون الحكومة الإسرائيلية على التعجيل في تنفيذ قرار الهدم، هم من اعتلوا سدة الحكم في دولة الاحتلال، وأصبحوا من أصحاب الأمر والنهي.
وأشار إلى منظمة "ريغافيم" الاستيطانية، التي ما انفكت تقدم مبررات لتسريع هدم الخان الأحمر وإخلائه، أسسها المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهما يشغلان منصبي وزيرين في حكومة الاحتلال، فضلاً عن قيادتهما لحزبين يمينيين متطرفين.
وأكد أبو رحمة، أن القرار الذي سيتخذ إسرائيلياً مطلع شباط/ فبراير المقبل بخصوص القرية، سيقرر شكل الرد الفلسطيني، والذي لن يقل عن تفعيل خيمة التضامن الدائمة في الخان الأحمر، للتصدي لمخططات التهجير.
يوسف أبو داهوك الذي يقطن الخان الأحمر، يرى أن الوقت بالنسبة للاحتلال أصبح مواتياً أكثر من ذي قبل لتنفيذ مخطط هدم القرية، بعد أن أصبحت منظمة "ريغافيم" ممثلة بشكل رسمي في الحكومة وإحدى ركائزها.
ويقول إن الحكومة الإسرائيلية اتجهت لتأجيل الهدم مرة كل ستة أشهر، بعد الضغوط الشعبية محلياً والدبلوماسية والقانونية دولياً، إلا أنها ما زالت في انتظار الوقت المناسب حتى تنضج مقومات تنفيذ قرار هدم القرية القائمة منذ العام 1952، وهو ما كان بعد تسلم بن غفير وسموتريتش حقائب وزارية.
ويرى أبو داهوك إن إسرائيل عملت على تهيئة المجتمع الدولي لهدم الخان الأحمر، من خلال مسرحية إقامة بؤرة استيطانية على أراضي قرية جوريش، جنوب شرق نابلس، وهدمها بعد 24 ساعة.
وأضاف: "سيتظاهرون أنهم يستندون إلى أحكام القانون، وسيقولون فككنا بؤرة استيطانية على أراضي جوريش أقيمت بشكل غير شرعي، وكذلك سنهدم الخان الأحمر التزاماً بقرار قضائي. قرية طلعت عليها الشمس لأكثر من سبعين عاماً ببؤرة لم تبلغ من العمر 24 ساعة".
وكان وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير، أعلن أمس الأول، أنه سيطلب من الحكومة إخلاء قرية الخان الأحمر، بشكل فوري.
وتوعد بن غفير بإخلاء الخان الأحمر عقب إخلاء بؤرة استيطانية أقامها مستوطنون بينهم حفيد الحاخام دروكمان على أراضي قرية "جوريش" جنوب شرق نابلس.
ويعيش نحو 200 مواطن فلسطيني، أكثر من نصفهم من الأطفال خطر هدم مساكنهم وترحيلهم عن أرضهم ومصدر رزقهم في القرية، الواقعة على بعد 15 كم شرقي القدس المحتلة.
وتعود أصول أهالي القرية لقبيلة الجهالين البدوية، التي طُردت على يد عصابات الاحتلال الصهيونية من النقب الفلسطيني عام 1952.
في مارس/ آذار 2010، صدر أول قرار عما تسمى "الإدارة المدنية" بهدم كافة المنشآت في الخان الأحمر، ولجأ الاهالي إلى محاكم الاحتلال للالتماس ضد القرار على مدار سنوات، وكان يتم خلالها الحصول على قرارات تأجيل للهدم.
في أيار/ مايو 2018، قررت سلطات الاحتلال هدم القرية وتهجير سكانها، ولكنها فشلت بسبب الصمود الأسطوري لهم، وأيضا بسبب صدور قرار من الجنائية الدولية، حذر الحكومة الإسرائيلية من القيام بتهجير أو هدم القرية، والتجمعات المحيطة بها في المنطقة التي تسمى (E1)، واعتبرت ذلك بمثابة "جريمة حرب"، إضافة إلى الجهد الدبلوماسي والموقف الدولي الكبير الداعم لبقاء الفلسطينيين في أراضيهم، وأيضا الموقف الحاسم من الأهالي أنفسهم الرافض للتعاطي مع أية حلول، دون البقاء، والاعتراف بالقرية.
المحكمة المذكورة، قررت بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر 2018، إخلاء القرية، وأمهلت الأهالي أسبوعًا واحدًا لإخلائها، بعد رفضها التماسات قُدّمت منهم ضدّ القرار.
وبتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر، سلّمت سلطات الاحتلال، الأهالي أوامر هدم ذاتي، أمهلتهم حتى مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2018 لتنفيذها، قبل أن تقوم بذلك جرافات الاحتلال وآلياته.
ويقع الخان الأحمر ضمن الأراضي التي تستهدفها سلطات الاحتلال، لتنفيذ مشروعها الاستيطاني المسمى"E1"، عبر الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الممتدة من شرقي القدس وحتى البحر الميت، والهادف إلى تفريغ المنطقة من أي تواجد فلسطيني، كجزء من مشروع لفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها، وعزل مدينة القدس المحتلة عن باقي الضفة.
وتمثل قرية الخان الأحمر البوابة الشرقية للقدس المحتلة، وإفشال المخطط الاستيطاني يعني إفشال تقسيم الضفة الغربية لكانتونات، كما تفيد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.