كان لقرار بدء التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على خلفية اتفاق أوسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، دور كبير في تحريف أهداف القضية الفلسطينية؛ حيث أصبحت السلطة الفلسطينية ومقرها رام الله، يد إسرائيل الطولى في اغتيال المقاومين بأيادي سلطتهم.
السلطة الفلسطينية وعقود من التعاون مع "إسرائيل"
والسلطة الفلسطينية هي هيئة الحكم الذاتي المؤقتة التي تأسست عام 1994 عقب اتفاق غزة – أريحا لحكم قطاع غزة والمناطق (أ) و (ب) في الضفة الغربية، كنتيجة لاتفاق أوسلو لعام 1993.
ومنذ يناير 2013، تستخدم السلطة الفلسطينية اسم دولة فلسطين في الوثائق الرسمية.
ويُلزم اتفاق أوسلو الموقَّع عام 1993، وكذلك اتفاق طابا عام 1995، السلطة الفلسطينية بمحاربة المقاومة ونشطائها ضمن ما سماه الاتفاق الإرهاب.
وجعل السلطة مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المقاومين الذين تصفهم بـ الإرهابيين من خلال التعاون أمنيا مع "إسرائيل".
وجاءت اتفاقية أوسلو2، أو ما سمّي اتفاق طابا، لتوضّح مهام اللجنة المشتركة للتنسيق الأمني وهوية وعدد أعضائها ومواعيد اجتماعها.
تلتها ما عُرفت "بوثيقة تينت" عام 2002، التي جاءت لتجديد التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ذروة الانتفاضة الثانية.
كان لهذه الاتفاقات دور مفصلي في تحديد "هوية" ووظيفة السلطة الفلسطينية والأهم من ذلك مهام التنسيق الأمني بينها وتل أبيب.
ويأتي إعلان السلطة الفلسطينية، الخميس، تعليق التنسيق الأمني مع تل أبيب ليزيد من شكوك المقاومة، بمختلف فصائلها، حول الهدف الحقيقي لعباس من هذا القرار.
لكن اللافت في الموضوع أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطة الفلسطينية رسميا تعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
ليست المرة الأولى
وأعلنت رام الله ذات القرار في 19 أيار/مايو 2020، بوقف التنسيق الأمني مع تل أبيب، قبل أن يعود الوضع إلى حاله في 19 نوفمبر من نفس السنة.
وقبله في يوليو/تموز 2017، أعلن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية المُنتهية ولايته الرئاسية منذ 9 يناير 2009، تعليق التنسيق الأمني مع "إسرائيل" بسبب خلاف يتعلق بالمسجد الأقصى في القدس، قبل أن يُستأنف من جديد في أكتوبر 2017.
وفي عام 2015 قرر المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتكليف اللجنة التنفيذية بمتابعة الأمر، ولم يتم اتخاذ قرارات فعلية على الأرض.
وفي العام التالي 2016 قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية البدء الفوري في تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الخاصة بتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وكلفت اللجنة السياسية لمتابعة الأمر.
ثم عادت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 2017 لتؤكد على وجوب استمرار تنفيذ قرارات المجلس المركزي بتحديد العلاقات مع سلطة الاحتلال "إسرائيل"، ولم ترى هذه المخرجات النور أو التنفيذ بالرغم من المطالبات الفصائلية المتكررة.
شكوك فلسطينية من قرار تعليق التنسيق الأمني
وأثار قرار السلطة الفلسطينية تعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، موجة انتقادات واسعة وجهها ناشطون فلسطينيون إلى محمود عباس ومن معه على رأس السلطة في رام الله.
حيث علق المحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر وقال: "اجتماع لقيادة رام الله برئاسة عباس؛ إثر مجزرة اليوم…قال البيان الختامي: "نعتبر أن التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال لم يعد قائما اعتبارا من الآن".
ووصف قرار السلطة الفلسطينية بـ "الفيلم" قائلا: "هذا الفيلم شاهدناه في محطاب مشابهة، وتابعنا ذات القرار من الوطني والمركزي؛ ثمّ ما لبث عباس أن تجاهله.. وعادت ريما لعادتها القديمة!".
وأضاف في تغريدة أخرى "قلنا مرارا إن الانتفاضة ستقلب الطاولة في وجه عباس والكيان وأمريكا ومطبّعي العرب وتؤثر في المشهد الدولي والإقليمي برمّته".
وفي السياق أيضاً، علق الناشط عادل راشد قائلا عبر حسابه على تويتر: "قوات الاحتلال تجتاح جنين، استشهاد عشرة وإصابة العشرات والمتحدث باسم السلطة الفلسطينية يعلن تعليق التنسيق والتعاون الأمنى مع اسرائيل الآن !! حد يسأله ماهى طبيعة التنسيق والتعاون الأمنى مع الصهاينة وضد من؟".
وقال معلق آخر على قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: "لم يفلح إلا في تنكيس الأعلام أما الجهاد فعنده إرهاب ولا يرضى أشقاء الصهاينة وينتظر من السلم أن يخل القضية".
وفي المقابل، شارك الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي الدكتور صالح النعامي، تغريدات لصحفيين عبريين شككوا في قرار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بتعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر بدون تعليق: "يوسي يهشوع المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت وطال لفرام المعلق العسكري لصحيفة معاريف، يشككان في إعلان سلطة عباس وقف التعاون الأمني بعد مجزرة جنين. ويقولان إن السلطة كانت تواصل التعاون الأمني في السر بعد وقفه في العلن".
شكوك إسرائيلية من قرار السلطة الفلسطينية
وتأتي تغريدة النعامي وسط شكوك شاركها إعلاميون وصحفيون عبريون على نطاق واسع في تل أبيب على خلفية قرار السلطة الفلسطينية.
وقال معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف"، طال لفرام، إن "السلطة الفلسطينية أعلنت خلال الأعوام الماضية وقف التعاون الأمني مع إسرائيل عدة مرات، لكنها واصلت هذا التعاون بشكل سري".
وكتب لفرام، الخميس، على حسابه على "تويتر"، أن المرة الوحيدة التي أوقفت فيها السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع إسرائيل كانت في التاسع عشر من مايو/أيار 2020، بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن خطة "صفقة القرن"، مشيراً إلى أن وقف التعاون الأمني تم استئنافه بعد تولي إدارة الرئيس جون بايدن مقاليد الحكم في واشنطن.
وفي سياق آخر، قال معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هارتس"، عاموس هارئيل، إن تصعيد الأوضاع الأمنية في أعقاب المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جنين تخدم المصالح السياسية والشخصية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ويأتي قرار السلطة الفلسطينية بتعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية هجوم إسرائيلي غادر على مخيم جنين في الضفة الغربية استشهد على إثره 10 فلسطينين في مجزرة، لا تزيد الرأي العام إلا صمتا ولا تضيف إلى مناصري القضية الفلسطينية إلا يقينا بجرائم المحتل وبطشه.