ما زالت تبعات وتداعيات عملية جنين الخميس الماضي والعمليتان الفدائيتان بالقدس المُحتلّة اللتان هزّتا أركان الكيان، ما زالت تُلقي بظلالها على المشهد السياسيّ والأمنيّ والعسكريّ والإعلاميّ في دولة الاحتلال، بلْ أكثر من ذلك، بدأت تتكشّف التفاصيل التي كانت ممنوعة من النشر بأمرٍ من الرقابة العسكريّة في تل أبيب، فقد كشف مُحلِّل الشؤون العسكريّة في القناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ، ألون بن دافيد، النقاب عن أنّ قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، الجنرال يهودا فوكس، قال في جلسةٍ مُغلقةٍ بعد العمليتيْن في القدس أواخر الأسبوع الفائت، إنّه لو كان على علمٍ بأنّ نتائج عملية اقتحام مخيّم جنين يوم الخميس الماضي، ستكون مأساويةً، لما كان صادق على العملية، على حدّ تعبيره، فيما قال المُحلِّل الإسرائيليّ في صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ عملية اقتحام مُخيّم جنين لم تكُن بهدف تصفية (الإرهاب)، بلْ جاءت لكي تؤججه، لافتًا في ذات الوقت إلى أنّه من المُستحيل اجتياح مُخيّم جنين دون ارتكاب مجزرةٍ، كما قال.
وهذا التصريح اللافت هو عمليًا إقرارٌ إسرائيليٌّ بالفشل والإحباط والإرباك، ويؤكِّد عُمْق الأزمة التي تعيشها الحكومة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وبمشاركة أشّد الأحزاب عنصريّةً وتطرّفًا وفاشيّةً، ذلك أنّه لا توجد أمامها أيّ طريقة للثأر من الفلسطينيين، كما أنّها لا تجِد الأجوبة على المُطالبات التي يُسمعها السواد الأعظم من الإسرائيليين بتنفيذ عملياتٍ لإعادة الأمن والأمان، كما تعهدّت الأحزاب المُشاركة في الحكومة خلال المعركة الانتخابيّة.
المُحلِّل ليفي أشار أيضًا إلى أنّ عمليات قتل الفلسطينيين المُستمرّة منذ أشهرٍ من قبل جيش الاحتلال لن تمٌرّ دون جباية الثمن، وقال مُوجّهًا حديثه للإسرائيليين: ماذا فكّرتم؟ هل قتل 146 فلسطينيًا السنة الماضية ستمُرّ دون ردٍّ؟ وهل قتل حوالي 30 فلسطينيًا منذ مطلع الشهر الجاري ستُقابِل بهدوءٍ؟ وهل اعتقدتم أنّ سُكّان مخيّم اللاجئين في شعفاط، الذين يتعرّضون للإهانات والإذلال بشكلٍ يوميٍّ وعلى مدار الساعة، والمسّ بكرامتهم سيستقبِلون الجنود ورجال الشرطة الإسرائيليين برشّ الأرز؟
الكاتب الإسرائيليّ شدّدّ في سياق تحليله على أنّ قادة الجيش كانوا على علمٍ مُسبقٍ بأنّ الدماء ستُسال بغزارةٍ إذا اقتحموا مركز مخيّم جنين، ومع ذلك نفذوا العملية، مُشيرًا إلى أنّه من اليوم فصاعدًا لن يجرؤ الجيش ولا الوحدة النخبويّة لمكافحة الإرهاب (يمام)، والتابعة للشرطة، على اقتحام مُخيّم جنين المعروف ببسالته وشجاعته وإصراره، على حدّ وصفه.
عُلاوةً على ذلك، أوضح الكاتب ليفي إنّ جميع قادة جيش الاحتلال كانوا على علمٍ بأنّ اقتحام مُخيّم جنين سيؤدّي لاندلاع موجة عنفٍ خطيرةٍ جدًا، ذلك أنّه من المُستحيل اقتحام المخيم دون ارتكاب مجزرةٍ، طبقًا لأقواله.
الكاتب أشار إلى أنّه مرّة أخرى إسرائيل هي التي بدأت ، لا توجد طريقة أخرى لتفسير مجريات الأمور، مُضيفًا أنّه اليوم في مُخيّم جنين يوجد عشرات الشباب المُسلحين والذين على استعدادٍ أنْ يُضّحوا بحياتهم، وأنّ قتل العديد من أصدقائهم لن تثبط عزيمتهم وإرادتهم الصلبة.
وتابع: “جنين هي مُخيّم لاجئين فريد من نوعه، يتمتّع سُكّانه بروحٍ قتاليّةٍ يُمكِن أنْ نجِد مثيلاً لها في قطاع غزّة، والروح القتاليّة وُلِدَت في أزقة المُخيّم، الذين يعتقد سكّانه بأنّ بلادهم سُلِبَتْ منهم، وأنّه حُكِم عليهم بالعيش في ظروفٍ قاسيةٍ وصعبةٍ حيثُ ينتشر الفقر المُدقِع، وأيضًا القتل المُستمّر للفلسطينيين من قبل الجيش في كلّ يومٍ تقريبًا في أنحاء الضفّة الغربيّة، كانت الأسباب الرئيسيّة التي أدّت لتنفيذ العمليتيْن في القدس”.
المُحلِّل الإسرائيليّ أشار في ختام تحليله، الذي يُعتبر تغريدًا خارج سرب ما يُسّمى بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، أشار إلى أنّ “شبح الانتفاضة الثالثة بات يحوم فوق رؤوسنا، ولذا فإنّ كلّ عملية انتقامٍ من طرف إسرائيل، ستؤدّي حتمًا إلى الاشتعال أكثر”، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ “أيّ إجراءاتٍ تتخذها الدولة العبريّة لفرض عقوباتٍ جماعيّةٍ على الفلسطينيين في المناطق المُحتلّة من أجل إشباع نزوات الانتقام لدى اليمين الإسرائيليّ، ستُؤجج التوتّر وتفتح الباب على مصراعيه للانفجار الكبير”، كما قال.