27.21°القدس
26.98°رام الله
26.08°الخليل
27.54°غزة
27.21° القدس
رام الله26.98°
الخليل26.08°
غزة27.54°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: ثـراء فاحش وفقر مدقع

أصدرت مجلة "فوربس" لائحتها الجديدة الخاصة بأثرياء العالم للعام المنصرم، وقد ضمت اللائحة 1426 شخصا يملك كل واحد منهم مليار دولار وما فوق، وقد زادت ثروات هؤلاء بحوالي 800 مليار دولار في عام واحد، إذ كانت 4.6 تريليون في 2012، ووصلت في عام 2013 إلى 5 تريليونات و400 مليار دولار. في لائحة المجلة لأثرياء العرب، نجد أن السعودية ولبنان هما في المرتبة الأولى بعدد أصحاب المليارات وحجم ثرواتهم، فمن 40 مليارديرا من 11 دولة عربية، وردت أسماء 8 سعوديين ثرواتهم 55.55 مليار دولار، 8 لبنانيين، بينهم 2 في البرازيل، بثروات مجموعها 32.3 مليار دولار، 7 مصريين، أحدهم يقيم في بريطانيا، وثرواتهم مجتمعة 18.55 دولار، 5 كويتيين، 4 إماراتيين، و3 مغاربة، مجموع ثرواتهم 22.3 مليار. ما ينبغي أن نتذكره هنا هو أن هذه القائمة ليست كاملة، إذ أن هناك أناسا لا يفصحون عن ثرواتهم، ولا يسمحون لمثل هذه المجلات بأن تتابعها بأي حال، ويمكن في هذا السياق أن نضع بين هذه الأسماء حشدا من الزعماء والأمراء في العالم العربي الذين ربما تبلغ ثرواتهم أرقاما خرافية، لكنهم لا يكشفون عنها، ولا يسمحون لمثل هذه المنابر الإعلامية بتتبعها، لاسيما أن أكثرها لا يأتي نتاج البزنس الحقيقي المعروف، وإنما نتاج عمليات نهب لثروات البلاد بشكل مباشر وغير مباشر. هذه هي الرأسمالية أو العولمة بطبعتها المتوحشة، ومعها آليات الفساد التي تعني أن يملك أقل من 200 ألف شخص ما يملكه حوالي 60 في المئة من البشر الواقعين في السلم الأدنى، وأن يعيش 2.6 مليار من البشر على أقل من دولارين في اليوم، فكيف تم ذلك، وإلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الظاهرة، وما هو رد الفقراء عليها؟! أسئلة بالغة الخطورة والتعقيد، إذ أن هذا التراكم الهائل في الثروات لم يُعرف سوى في الربع الأخير من القرن الماضي والقرن الحالي، ولا علاقة لمعظمه بما يمكن وصفه بالرزق الحلال الحقيقي، بقدر صلته بوسائل غير مشروعة أنتجتها العولمة المتوحشة وظواهر أخرى نمت معها، إلى جانب فساد منقطع النظير في عدد لابأس به من الدول. صحيح أن عالم التكنولوجيا الحديثة (كمبيوتر واتصالات) قد أنتج عددا لا بأس به من الأثرياء بطريقة شبه مشروعة. ونقول شبه مشروعة لأن بعض تلك الثروات كان نتاج الاحتكار والفساد أيضا. في نادي الأكثر ثراءً سنعثر على عدد هائل من رموز السلطة الفاسدين ومن يدورون في فلكهم بعد تحالف السلطة والثروة في عدد كبير من دول العالم الثالث، وربما بعض الثاني أيضا، وهؤلاء لا تعدو أموالهم أن تكون نتاج سرقة أموال شعوبهم ومقدراتها ونتاج الفساد والإفساد. كما سنعثر على عدد كبير من تجار المخدرات والمهربات بشتى أنواعها، ومن ضمنها غسيل الأموال. لكن الجزء الأكبر يبقى نتاج هذه المرحلة من الرأسمالية القائمة على البورصات والمضاربات التي لا علاقة لها بالإنتاج الزراعي والصناعي (بما في ذلك الخدمات) الذي يصب في خدمة البشر بشكل حقيقي، ويكفي أن نرى أناسا لا يفعلون شيئا سوى الجلوس خلف شاشات الكمبيوتر يبيعون ويشترون بينما تتضخم ثرواتهم بشكل مذهل، حتى ندرك هذه الحقيقة. إنهم يبيعون ويشترون البضائع نفسها عشرات ومئات، وربما آلاف المرات، ويرفعون البورصات ثم يهبطون بها، بما في ذلك بورصات الأسهم والعملات والذهب والنفط وسائر الأشياء الأخرى المهمة، والنتيجة أن كل شيء يبقى على حاله، وربما تراجع، بينما تتضخم ثروات هؤلاء، لكن الأوضاع تزداد سوءًا بالنسبة للطبقات الفقيرة التي تدفع مضطرة ثمن ثروات هؤلاء وما تنتجه من تضخم يطارد خبزها ودواءها. في الإسلام لا يجوز بيع السلعة قبل امتلاكها، فضلا عن تحويلها إلى أوراق، بل مجرد كبسة على زر الكمبيوتر (الهاتف المحمول). وتدخل في هذا الإطار تجارة الأسهم والعملات والنفط وسواها. وفي الإسلام تحذير شديد من أن يكون المال دُولة بين الأغنياء، وحث على أن يُؤخذ من الأغنياء للفقراء. أما في العولمة المتوحشة فيحدث العكس تماما. هي مأساة لن توقفها سوى ثورات الفقراء، والتي بدأت ملامحها من خلال الاحتجاجات ضد العولمة المتوحشة التي يشارك فيها أناس من الدول المتقدمة، بينما تغيب فعالياتها في الدول الفقيرة مع الأسف، ولا بد أن يكون للربيع العربي دوره في تصحيح هذا المسار، ولو بشكل تدريجي. ثورة الفقراء ضد هذا الشكل من الثراء الفاحش ينبغي أن تتصاعد بمرور الوقت؛ لأن هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، ويجب أن يُعاد النظر في منظومة الاقتصاد العالمي بحيث تتوقف هذه المتوالية من نهب قوت الفقراء لصالح قلة من البشر. هي مأساة هذا الزمان. أناس يموتون من الجوع، وآخرون لا يعرفون كيف يبذرون الأموال، وفيما نعثر على كثير من التبرع لأعمال الخير لدى أثرياء الغرب، فإن مشهد أثرياء العرب مؤسف إلى حد كبير، من دون أن نعدم قلة قليلة منهم يبسطون أيديهم بالخير والعطاء.