رغم الأجواء الباردة ليلا، إلا أن "باب الساحة"، التي تتوسط البلدة القديمة في مدينة نابلس، تعج بالزوار والمتسوقين، الذي يقصدونها لإحياء التقليد الرمضاني المعروف لدى اهل المدينة بـ(السوق نازل)، وهي العادة التي تجمع بين تراث المدينة وتاريخها الممتد لآلاف السنين وتوفير مصدر رزق لعشرات الشبان الذين يستغلون الفرصة لبيع المأكولات والمشروبات والهدايا.
ورغم مرور عشرات السنوات، لا زال النابلسيون يحافظون على هذه العادة، وينوعون في فعاليتهم، لكنها مؤخرا باتت تقتصر على تعليق الفوانيس، وبسطات الحلويات والمشروبات، مع الأناشيد الدينية.
قبل عقود، كان الأطفال ينطلقون من حواري المدينة القديمة بعد الإفطار مباشرة يجوبون شوارعها وهم يحملون فوانيس تقليدية بأيديهم، ويقفون أمام كبار السن وأصحاب المحال التجارية بانتظار حصتهم من الهدايا التي كانت غالبا من السكاكر المنوعة، فيما تصدح الحناجر بالمدائح النبوية، وبعد تجمع الناس يقف الحكواتي ليلقي على مسامع الحضور قصصا وحكايات عن البطولة والشجاعة.
يقول الشاب محمد ظاهر لـ"فلسطين الآن" وهو يبيع الحلويات التقليدية التي وضعها على لوح من الخشب قرب مسجد النصر في البلدة القديمة، "اعمل في محل لبيع الكوكتيل، إذ يتراجع الإقبال على هذه الأنواع في شهر رمضان، كما أنّ المحل يغلق أبوابه خلال فترة النهار، ما دفعني إلى استغلال هذا الوقت لإنشاء مشروعي الخاص، حيث اتقن صناعة "الهريسة"
. يتابع "مصاريف رمضان مرتفعة، وتقريبا والدي لا يعمل، ونحن عائلة كبيرة، ونحاول أنا واشقائي الثلاثة أن نسد هذه الثغرة.
لذا كان لا بد من البحث عن عمل إضافي. يقصدني الزبائن من مختلف أنحاء مدينة نابلس لشراء الهريسة والتي أبيع إلى جانبها "القهوة"، وهذا من دون أدنى شك ساعدني في تحصيل مدخول مادي استعين به على تلك المصاريف".
أما وائل أبو شعبان، فقد وجد في شهر رمضان وسيلة لكسب الرزق، من خلال بيع سندويشات سريعة على بسطة صغيرة في منطقة باب الساحة.
يقول "كنت آتي هنا وأنا صغير مع عائلتي لنشتري الطعام النابلسي التقليدي ونستمع للحكواتي، وها أنا أعود بعد أكثر من اربعين عاما لأعمل على عربة لبيع ساندويشات الفلافل والنقانق المقلية للزوار والمتسوقين الذين يقصدون هذا المكان الجميل.
ويؤكد أبو شعبان أن الظروف الاقتصادية في البلد بالغة الصعوبة، حيث الأسعار مرتفعة جدا ولا يوجد أي ضابط أو رقيب، كما أن الرواتب متدنية ولا تفي بالحاجة، خاصة لنا كأرباب عائلات.
ويضيف "بتنا نضطر لأن نعمل في وظيفتين، فأنا موظف في شركة، لكن لا يكفي الراتب لأول عشرة أيام من الشهر، فكان الحل بأن اعمل على بسطة تساعدني على شظف الحياة".
وعلى صعيد مشابه، انتشرت الأكشاك وبسطات بيع المأكولات والمشروبات الرمضانية بكثرة في مختلف أنحاء المدن الفلسطينية، والتي يديرها شبان في مقتبل العمر، وجدوا بتلك الأكشاك ضالتهم لتجاوز ظاهرة البطالة، التي باتت تستشري في المجتمع الفلسطيني.
وتنتشر بسطات بيع المشروبات الرمضانية، التي تقدم لزبائنها أنواعاً عديدة من المشروبات التي تزين المائدة الرمضانية.
فالشاب سليمان مجدي، يشتهر ببيع عصير اللوز والليمون، وتشهد بسطته الصغيرة إقبالاً كبيراً من كثيرين.
بدأت رحلة سليمان مع العصائر بعيد تخرجه قبل خمسة أعوام من الجامعة، ليجد نفسه عاطلاً من العمل، ما دفعه للعمل لفترة قصيرة داخل مطعم في إحدى مستوطنات الاحتلال في منطقة الأغوار، وهناك تعلم صناعة العصائر الطبيعية، ليقرر بعدها ترك المستوطنة وفتح مشروعه الخاص لبيع المشروبات داخل مدينته، والذي افتتحه في اليوم الأول من شهر رمضان.
عند سؤاله عن مكونات عصير اللوز، يضحك سلمان رافضاً الإفصاح عن طريقة تحضيره قائلاً: "هذا سرّ الصنعة، وما يفرحني أنّه لقي ترحيباً من قبل الأهالي، وبات الزبائن يطلبونه يومياً، رغم أنّ سعره أغلى من بقية أنواع العصائر التقليدية".