الواقع السياسي لدى العدو لا يزال يعاني من التمزق والانقسام الداخلي، والفجوة بين الأطراف المتصارعة تتسع أكثر، وإمكانية عودة الأمور لسابق عهدها هو أمر صعب ودرب من الخيال، لأن الانقسام جزء منه طبقي وجزء آخر عرقي، وثالث له علاقة بالدين والنظرة إلى الدولة، وكيف يتم التعامل مع الملايين من الفلسطينيين، هل دمجهم أو ترحيلهم أو طردهم، أو إبقائهم وسوقهم بالعصا.
واضح أن تشكيل حكومة اليمين المتطرف أجبرت السياسيين الإسرائيليين على إعادة طرح كل القضايا من جديد، لأن السياسيين لم يتوقعوا أن يكون للصهيونية الدينية وابن غفير وسموتريتش هذا التأثير في السياسة، بعد أن كانوا ملاحقين، ولهم ملفات لدى الشاباك والشرطة، وبات من يُلاحقهم من قادة الجيش والأجهزة الأمنية في المعارضة يتظاهرون ضد سياسة نتانياهو وابن غفير، وهذا واقع لا تزال السياسة الإسرائيلية لم تهضمه، بل أخذ صبية التلال الذين كانت الأجهزة الأمنية ترصد خطواتهم وتتابعهم، هم من يتصرفون داخل الكيان كمسيطرين، ويُشاركون ابن غفير في قوات الحرس الوطني، فيما قادة من قادة الأركان والشاباك والموساد يرفضون ذلك، ويعتبرون وجود اليمين المتطرف يؤثر على العلاقات الدولية مع العالم وتحديدا أمريكا والغرب، ولكن هؤلاء القادة الأمنيين في إسرائيل لم يعودوا مؤثرين أو مسموعي الكلمة، فمن يدير السياسة هو نتانياهو متكئاً على عصا الصهيونية الدينية والحريديم الذين لا يخدمون في الجيش، ويتعاملون مع الدولة كأنها بقرة حلوب تدر المال والسمن.
وجاءت الإصلاحات القانونية كأنها الضربة القاضية التي يوجهها اليمين المتطرف ضد المعارضة، التي تُشَكل بقايا الدولة العميقة من المؤسسين الصهاينة، حيث هاجم اليمين آخر المعاقل التي يتترس خلفها اليسار، ويُمسك منها في مفاصل الدولة، القضاء، الجيش، الإعلام، فهبت غوش دان والأثرياء الأشكناز ورؤساء البنوك والشركات كل طبقة اليهود الذين من أصول أوروبية تدافع عن معاقلها الأخيرة، والتي تكمن فيها مصالحها، رافضة التغيير أو التحريك، وحتى خلق توازن بين الفئات في المجتمع الإسرائيلي، لأن الشرقيين والعرب والأفارقة واليمنيين والعديد من الفئات دخل المجتمع الإسرائيلي يشعرون بالمظلومية من دولة الأشكناز التي بُنيَّت على التقليل من وزنهم الإنساني، وكانت دائماً تُشعرهم بالدونية، بل هناك أماكن للعمل تكاد لا ترى فيها يهودياً من أصول أوروبية (أشكنازي)، بل من يعمل فيها يكون من الأقليات الأخرى مثل شرطة مصلحة السجون والبلديات وغيرها.
في نفس الوقت هناك مرافق في الجيش مثلاً يعمل فيها الأشكناز وأقلية قليلة من غيرهم مثل: الطيران والسايبر وأجهزة الأمن وشركات الأسلحة والتصنيع وغيرها، وهذا دفع الكثير من الأعراق غير الأشكنازية أن تأخذ انطباع أن هذه الدولة هي دولة الأشكنازيم، وأن هناك مرافق لا يمكن لغير الأشكنازيم العمل بها إلا بصعوبة كبيرة.
ولكن اليوم في ظل المتغيرات السياسية وسيطرة الأقليات الأخرى على المؤسسات السياسية والتشريعية، حيث بات في مقدرتهم التغلب على القوانين التي يشعرون أنها تساعد في سيطرة اليهود من أصول أوروبية على مفاصل الدولة، فأجمعوا أمرهم على استكمال النصر الانتخابي والاندفاع نحو هذه الصخور التي تقف بينهم وبين تغيير القوانين وتكسيرها، حتى يُصبح الشعب هو من يُعطي النفوذ والسيطرة لا القوانين، من يفوز بالانتخابات هو من يُقرر، لا القوانين التي تحفظ مصالح فئة واحدة في الدولة.
ومن هنا يتضح أن الصراع في المجتمع الإسرائيلي في جوهره اجتماعي وسياسي وعرقي وطبقي، وهو نتيجة تحول موازين القوة الداخلية لصالح الطبقات المهمشة التي تعيش في الأطراف وتحديداً جنوب البلاد، وهي التي تدفع نحو الانتهاء من سيطرة برجوازية غوش دان، حتى تستقيم الأمور لصالح الطبقة الحاكمة الجديدة.