لا يزال التصعيد الإسرائيلي قائمًا باقتحام المسجد الأقصى المبارك، سواء كان من قطعان المستوطنين أو من قوات الاحتلال بتكرار مسلسل الاعتداءات على المصلين والمرابطين داخل الأقصى، ومن الممكن أن يؤدي في أي لحظة إلى انزلاق الأمور لسابق عهدها عبر استجلاب رد من جبهات المقاومة، أو قد تتطور الأمور إلى إشعال فتيل الحرب بسبب تعنت الاحتلال في انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا التغول الصهيوني على الأقصى بصفة خاصة بالرغم من هبة الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين وخارجها رفضًا لسياسات الاحتلال وتدنيسه للأقصى؟ إذ رأينا ردة فعل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس في غزة والضفة وكذلك هبة فلسطينيي الداخل المحتل، وأيضًا الرد الصاروخي من خارج فلسطين وتحديدًا من الجنوب اللبناني ومن الجولان السوري، إضافة إلى المظاهرات العارمة التي جابت العواصم العربية والإسلامية تنديدًا باقتحام الأقصى وتدنيسه.
الإجابة على السؤال أعلاه بكل بساطة أن ما يقصد بالاقتحامات الصهيونية اليومية للأقصى هو استفزاز مشاعر الفلسطينيين في شهر رمضان، ولكن السبب الرئيسي لكل هذه الاقتحامات هو إنهاء الصلة العربية والإسلامية بمدينة القدس، وبالذات فيما يتعلق بالأقصى، واستبداله بإيجاد موطئ قدم للصهاينة فيه ليحلو تقسيمه مكانيًا وزمانيًا، ومن ثم تليها خطوات التهويد بالسيطرة عليه كاملًا لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه بحسب مزاعم تلمودية لدى جماعة الهيكل وغيرها من الجامعات الصهيونية المتطرفة.
في مقالي السابق كنت قد وضحت أن هدف نتنياهو من مسلسل اقتحام الأقصى تصدير أزماته الداخلية، بمعنى أنه يريد تحقيق إنجاز وانتصارات كاذبة ووهمية ليضلل الجمهور الإسرائيلي، بأنه يريد إرجاع “الردع” الذي تآكل حقيقةً ليس من المقاومة فقط، بل أيضًا من المرابطين العُزّل المتصدين لقواته وقطعان مستوطنيه، ولكن المهم عند نتنياهو صرف الأنظار عن أزمته الداخلية في مواجهة الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة في الشوارع والتي تحاصر منزله يوميًا وتطالبه بالاستقالة، على خلفية الانقلاب على القضاء.
وبغض النظر عن الأسباب الظاهرة والكامنة من وراء الاقتحامات والاعتداءات اليومية على المصلين والمرابطين دون وجه حق، فإنه سيواجه بردة فعل مماثلة، والأيام السابقة كانت شاهدة على ذلك، فلولا التصعيد الإسرائيلي الاحتلالي في القدس أولًا وفي بقية أرجاء الضفة الغربية من إعدامات وقتل واقتحامات واعتقالات وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، لما جاء رد المقاومة الكبير الذي استجاب لاستغاثة المرابطين ونصرةً للمسرى، فقد أثبت الفلسطينيون انتمائهم الديني والتاريخي والقومي للأقصى، سواء كان في موقع الرباط أو الدفاع، فالكل ملتحم ضد الاحتلال للدفاع عن الأقصى، ولا شك أن قضية الأقصى قد وحّدت الشعب الفلسطيني، بل وحّدت كل الساحات في التصدي للاحتلال وحماية الأقصى.
فالشعب الفلسطيني لوحده اليوم يقدم الغالي والنفيس لحماية مقدساته -وإن كان هذا هامًا- لكنه لا يكفي للجم الاحتلال وإبعاد أذاه عن الأقصى، فخطورة الموقف لا تحتمل مزيدًا من التقاعس الذي تبديه الدول العربية والإسلامية تجاه إجرام الاحتلال والتي تكتفي فقط بإصدار بيانات الشجب والاستنكار المعتاد عليها، دون أن تحرك ساكنًا، بل يجب اتخاذ قرارات تتناسب مع حجم الخطر الصهيوني على الأقصى، مثل ممارسة الضغط العربي والإسلامي لإصدار قرار دولي من مجلس الأمن ملزم لسلطات الاحتلال الإسرائيلية بعدم السماح لها بتغيير الوضع القائم فيه، وأنه مكان مقدس خاص بالمسلمين ولا علاقة للصهاينة به، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، التي من شأنها تغيير طابع مدينة القدس والمسجد الأقصى على وجه الخصوص.