استيقظ السودانيون، صباح السبت (15 أبريل/نيسان)، على قلق وتوتر ومعدات عسكرية تنتشر في العاصمة الخرطوم، وتصريحات متضاربة واتهامات متبادلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وتصاعدت التوترات بين الفريقين في الأشهر الأخيرة، مما أخّر توقيع اتفاق مدعوم دوليا مع الأحزاب السياسية السودانية لاستئناف الانتقال الديمقراطي في البلاد.
انتشار المعدات العسكرية وارتفاع أصوات إطلاق الرصاص أعاد إلى الأذهان وقائع مشابهة عاشها البلد الممزق مرات عدة خلال الـ66 عاما الماضية من تاريخه، حيث تتشابه البدايات بتحرك من الجيش أو بعضه وتنتهي بالإعلان عن انقلاب عسكري يفتح صفحة جديدة لا تختلف كثيرا عن صفحته السابقة.
في هذا التقرير نرصد أشهر الانقلابات العسكرية التي شهدها السودان خلال السنوات الماضية منذ إعلان استقلاله عن بريطانيا 1 يناير/كانون الثاني 1956 وحتى الآن.
البداية كانت بعد نحو عام من الاستقلال وتحديدا عام 1957، عندما قاد مجموعة من ضباط الجيش بقيادة إسماعيل كبيدة، انقلابا ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية، بقيادة رئيس الحكومة إسماعيل الأزهري، إلا أن الأزهري تمكن من إحباط محاولة الانقلاب وفشلت المحاولة لتكون أول محاولة انقلاب عسكري فاشلة بعد استقلال السودان.
فشل الانقلاب لم ينه الأزمة السياسية في البلاد وقتها واستمر الخلاف حول شكل إدارة الدولة، وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، تحرك ضباط من الجيش مرة أخرى، وهذه المرة بقيادة الفريق إبراهيم عبود، الذي يعد قائد أول انقلاب عسكري ناجح في تاريخ السودان، وحصل عبود ورجاله وقتها على تأييد الطوائف الدينية، وتمكن من تشكيل حكومة عسكرية برئاسته.
وكان حكما عسكريا صريحا حيث أوقف العمل بالدستور وقضى على نشاط الأحزاب وألغى البرلمان. وبعد سبعة أعوام من حكم عبود خرجت مظاهرات شعبية واسعة تطالبه بالرحيل عن السلطة، وتحولت المظاهرات إلى ثورة أيدتها الأحزاب السودانية وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1964، سلم عبود السلطة لسر الختم الخليفة، وتولى البلاد إسماعيل الأزهري، وهي الفترة التي عرفت باسم "أيام الديمقراطية".
استمرت "أيام الديمقراطية" نحو أربع سنوات ثم دبت الأزمات بين الأطراف السياسية وتصاعدت الصراعات بينهم على السلطة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشاكل البلاد الاقتصادية وزيادة البطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد، فتحرك الجيش مرة أخرى عام 1969 ونفذ مجموعة أطلقوا على أنفسهم اسم "الضباط الأحرار" بقيادة جعفر النميري انقلابا عسكريا، ونجح النميري في السيطرة على السلطة بالفعل.
وبعد نحو سنتين وتحديدا في عام 1971 قاد مجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي السوداني بقيادة الضابط هاشم العطا انقلابا عسكريا استولوا فيه جزئيا على السلطة لمدة يومين فقط، ثم تمكن النميري من القضاء على الانقلاب واستعاد السلطة وحاكم الانقلابيين وقادة الحزب الشيوعي السوداني، وبذلك تنتهي محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة الثانية في السودان بعد فشل انقلاب إسماعيل كبيد.
وهذه لم تكن المرة الأخيرة للمحاولات الفاشلة حيث وقع خلاف بين المؤسسة العسكرية أدى إلى محاولة انقلاب جديدة ضد النميري في عام 1973، وأعلنوا عزمهم محاربة ما اسموه "الاستعمار الجديد" وإنهاء التبعية للغرب التي اتهموا بها نظام النميري، ولم يستمر الانقلاب سوى ثلاثة أيام وتم القضاء عليه بعد تدخل قوى دولية وإقليمية تتقدمها مصر وليبيا بشراكة بريطانية، إلى جانب دعم داخلي قاده رجل الأعمال السوداني خليل عثمان، وتم بالفعل القضاء على التحرك وأعيدت السلطة للنميري.
وتكررت محاولات الانقلاب على النميري بعد ذلك عام 1975، بقيادة الضابط حسن حسين، وأُحبطت وأعدم منفذوها، وبعدها بعام واحد، وتحديدا في عام 1976 قاد العميد محمد نور سعد محاولة انقلاب على نظام النميري، لكن تم إحباط التحرك أيضا وتعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، واستمر النميري يحكم بالحديد والنار حتى خرجت ثورة شعبية ضد نظام حكمه في 6 أبريل 1985، والتي عرفت بـ"ثورة أبريل"، ولم يكن النميري في البلاد وقتها عندما أعلن قادة في الجيش بقيادة الفريق أول سوار الذهب انتهاء حكم النميري، وتشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية برئاسته، لمدة عام واحد، وبالفعل أجرى انتخابات ديمقراطية، وسلم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
وأظهرت نتائج هذه الانتخابات صعود غير مسبوق للإسلاميين، حيث نالوا 51 مقعدا، واحتلوا المرتبة الثالثة بعد كل من الحزب الاتحادي (63 مقعدا) وحزب الأمة (100 مقعد) الذي كان الصادق المهدي، يرأسه حينها، وشهدت هذه الفترة أيضا استقطابا حادا بين الأحزاب وتدهور الأحوال المعيشية للمواطنين، وحاول الجيش في أكثر من مرة التنبيه على الحكومة الالتفات لمشاكل الشعب إلا أن أحدا لم ينتبه حتى عام 1989، عندما قاد العميد عمر حسن البشير انقلابا ضد حكومة الصادق المهدي، بدعم من حزب "الجبهة الإسلامية القومية" الذي كان يتزعمه حسن الترابي، إلا أن هذا لم يشفع للترابي وكان أحد المعتقلين ضمن حملة اعتقالات واسعة شنها الانقلابيون وطالت قادة جميع الأحزاب السياسية.
وبعد نحو عام واحد وتحديدا في عام 1990، قاد اللواءان عبد القادر الكدرو ومحمد عثمان محاولة انقلاب ضد حكم البشير، إلا أن المحاولة فشلت وأعدم نظام البشير 28 ضابطا شاركوا في المحاولة بينهم قادة الانقلاب، وفشلت محاولة انقلاب أخرى عام 1992، قاد العقيد أحمد خالد المحسوب على "حزب البعث"، وسجن البشير قادة المحاولة.
وتكررت محاولة الانقلاب على عمر البشير إلا أنها كانت جميعها تنتهي بالفشل، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد نظم السودانيون انتفاضة شعبية واسعة تزعمتها تجمع المهنيين السودانيين وطلاب الجامعات وقوى إعلان الحرية والتغيير، وبفعل أطاح الجيش السوداني عام 2019 بنظام البشير الذي حكم البلاد 30 عاما. وفي يوليو/ تموز عام 2021، أعلن الجيش إحباط محاولة انقلاب هدفت للإطاحة بالمجلس العسكري، واعتقال 12 ضابطا.
وبعد أيام قليلة، اعتقل رئيس أركان الجيش هاشم عبد المطلب أحمد، الذي وصف بأنه قائد ومخطط محاولة الانقلاب. وفي سبتمبر/ أيلول 2021، أعلنت الحكومة إعادة السيطرة على البلاد وإحباط محاولة انقلاب اتهمت فيها ضباطا ومدنيين مرتبطين بنظام البشير، وقبضت السلطة على 22 عسكريا ومدنيا وجهت لهم تهم المشاركة وقادة المحاولة الانقلابية. ثم في 25 أكتوبر 2021، قاد رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا، سيطر فيه على الحكم، وأبعد المكون المدني عن الحكم بعدما اعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأعضاء في حكومته ومسؤولين آخرين، معلنا حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، إضافة إلى حل مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء وإعفاء الولاة.
ومنذ أكتوبر 2021، فشلت كل الوساطات العربية والدولية في إنهاء الأزمة السياسية التي لا يبدو لها أنها ستنتهي قريبا.
واندلعت، اليوم السبت، اشتباكات عنيفة هزت السودان، بسبب خلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي قد تدخل البلاد في أتون الصراع.
وأعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، تعرض منزله صباح اليوم السبت، إلى هجوم من قوات الدعم السريع، لافتًا إلى أن الأحداث الجارية تؤكد ضرورة منع تكوين أي قوات خارج رحم القوات المسلحة السودانية.