لم يكن يحمل الاستشهادي ساهر تمام سلاحًا رشاشًا خلال تنفيذه لعمليته الاستشهادية، وهو ما لم تجرِ عليه العادة، بل كان يحمل جسده أكثر من 250 كيلو جرامًا من المواد المتفجرة في سيارة قادها إلى مقهى "فيلج إن" في مغتصبة "ميحولا" والذي يرتاده جنود الاحتلال فقط، ليفجر نفسه داخل المقهى ويحول الجنود إلى جثث متفحمة.
كان الاستشهادي ساهر تمام بطل أول عملية استشهادية نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في مثل هذا اليوم عام 1993م، ليفتتح بذلك باكورة العمليات الاستشهادية القسامية النوعية.
تحوّلت العمليات الاستشهادية من فكرة في عقل المهندس الأول لكتائب القسام يحيى عياش إلى رعب أبدي يلاحق جنود جيش الاحتلال وقادته حتى في أحلامهم، فبعد النجاح الكبير لعملية الاستشهادي ساهر تمام، جهز العياش عشرات العمليات الاستشهادية التي هزت قلب الكيان.
انتصار للمبعدين
تزامنت أول عملية استشهادية لكتائب القسام في اليوم الذي لبس فيه مبعدون مرج الزهور أكفانهم بعد أربعة أشهر من إبعادهم وتوجهوا نحو الحدود فيما يُعرف "بمسيرة الأكفان" فجاءت العملية انتصاراً للمبعدين، وتأكيدا أن مشروع المقاومة لا يمكن وأده رغم إبعاد القادة والمجاهدين.
تغيرت استراتيجية العمل المقاوم والانتقال إلى العمليات الاستشهادية لم يكن أمراً يسيراً، خاصة بعد اقتصار أعمال المقاومة لسنوات على أسلوب الكر والفر، والأساليب التي توفر أمناً أكثر للمقاتل بالشكل الأساسي، إلا أن الفكرة جاءت بُغية تطوير العمليات وزيادة تأثيرها.
كان التجهيز لأول عملية أمر بالغ الصعوبة، خاصة في ظل اقتصار فريق الإعداد والتجهيز على ثلاثة أشخص فقط، موكل إليهم مهمة إنتاج أكثر من 250 كيلوجراما من المتفجرات من مواد بدائية وصلبة، لكن مهندس القسام يحيى عياش ذلل مع رفاقه الصعاب وبذلوا جهودا مضنية للوصول إلى هذا الإنجاز العظيم.
بعد أشهر من العمل المتواصل تمكن يحيى عياش من تجهيز السيارة المفخخة بشكل كامل، وتم اختيار المجاهد أشرف الواوي ليكون الاستشهادي المنفذ لهذه العملية، إلا أن الشهيد ساهر تمام أصر إصراراً عجيباً على أن يكون هو منفذ هذه العملية، رغم أن قيادة القسام وعدته بأن يكون الاستشهادي التالي.
اختيار الهدف
حرص المهندس يحيى عياش وإخوانه على أن يكون الهدف الذي سينفذ به الاستشهادي عمليته هدفا عسكريا بحتا، وأن يكون خالياً من أي عنصر مدني، فشُكلت مجموعات الرصد والاستطلاع والبحث عن هدف دقيق يتوافق مع الغاية من العملية فاختار المهندس مقهى (فيلج إن) الواقع في مغتصبة "ميحولا" القريبة من منطقة " عين البيضاء" على بعد (15) كيلو متراً من نهر الأردن، والذي يرتاده الجنود الصهاينة.
وفي السادس عشر من أبريل عام 1993م، فجر الاستشهادي ساهر تمام سيارته المفخخة، في مقهى "فيلج إن" موقعاً عشرات القتلى والإصابات، إلا أن العدو تكتم على خسائره واعترف فقط بمقتل جنديين وإصابة ثمانية آخرين.
لم تكن عملية مقهى "فيلج إن" هي أولى عمليات الاستشهادي الأول ساهر تمام، بل نفذ في مارس عام 1993م، عملية دهس قتل فيها الرقيب أول عوفر كوهين والرقيب إسحاق برخا، فيما شارك في العديد من المهمات وعمليات إطلاق النار مع خلايا القسام في الضفة.
تطور مستمر
ويُعد تنفيذ هذه العملية الاستشهادية داخل مغتصبة "ميحولا" تطوراً نوعياً في العمل المقاوم، إذ كانت المرة الأولى في تاريخ الصراع يتم فيها اختراق مغتصبة تضم مصانع حربية تابعة لوزارة الحرب الصهيونية، وتهاجم بنجاح كبير أهدافاً عسكرية.
وبعد النجاح العظيم لأول عملية استشهادية أدخلت كتائب القسام سلاح العمليات الاستشهادية إلى ميدان الصراع مع الاحتلال، ونفذت العشرات من العمليات النوعية على مدار سنوات عديدة، ولم تكتفِ بذلك بل واصلت تطوير قدراتها وإمكاناتها حتى باتت اليوم قوة يحسب لها قادة الاحتلال ألف حساب.
وبعد ثلاثين عاما على تنفيذ ابن مدينة نابلس "جبل النار" ساهر تمام أول عملية استشهادية بطولية، تُعيد نابلس اليوم أمجاد البطولة في إشعالها جذوة المقاومة في الضفة الغريبة عبر سلسلة عمليات أبطال عرين الأسود الممتدة، حتى باتت اليوم نابلس وجنين والخليل وكل مدن الضفة المحتلة منارة المقاومة لكل فرسان الضفة الذين يلقنوا العدو الصهيوني الدرس تلو الآخر.