أكد "ديوان المحاسبة" في لبنان، تورط 6 وزراء اتصالات بخسارة أكثر من 110 ملايين دولار، مشيرا إلى أن الفساد والهدر موجود في كل مفاصل القطاع بشكل متوارث من وزير الى آخر.
ورجح الديوان ارتفاع رقم الخسائر في ملفّ يتّصل بمباني شركة "تاتش"، الشريكة بالتواطؤ ضد المال العام.
وأظهر التقرير أن كلا من الوزراء نقولا الصحناوي وجمال الجراح ومحمد شقير، يعتبرون مسؤولين أساسيين عن هدرٍ بقيمة 10 ملايين دولار في مبنى قصابيان من دون استعماله، و100 مليون دولار لاستئجار مبنى "الرينغ" ثم شرائه، من دون أن تتملّكه الدولة.
وأوضح التقرير أن نزيف المال العام استمر لعدم إيلاء الوزراء المتعاقبين الملفين أي أهمية، ومن دون اكتراث للخسائر الإضافية التي يراكمونها على الدولة المفلسة أصلاً، وفق ما نقله موقع "الأخبار" اللبناني.
وأوضح الموقع أنه منذ 2005 أعلمت شركة "تاتش" وزارة الاتصالات بضيق مساحة المبنى الذي تشغّله قرب المرفأ.
وفي 2011، طلب رئيس مجلس الإدارة كلود باسيل موافقة الوزارة على الانتقال إلى مبنى قصابيان في الشياح، وأرسل نسخة عن عقد إيجار بقيمة 38 مليون دولار لمدة 10 سنوات، إضافة إلى 5 ملايين دولار لتجهيز المبنى. غير أن وزير الاتصالات آنذاك شربل نحّاس رفض العرض لأسباب عدة، منها قدم المبنى وارتفاع بدل الإيجار.
وتبين لديوان المحاسبة أن شركة "تاتش" أخلّت بمسؤوليّة حسن الإدارة، لكونها، لم تجرِ مناقصة لتحديد المبنى الأنسب لحاجاتها، كما أن رئيس مجلس إدارتها كلود باسيل أصرّ على استئجار المبنى رغم رفض نحاس لعدم صلاحيته.
وأشار الديوان إلى أن الشركة قدّمت مسودّة لعقد الإيجار بمبلغ مرتفع من دون تخمين مسبق، كما أنها أبدت استعجالاً لافتاً في إبرام صفقة الاستئجار، علماً أنها أعلنت قبل 4 أشهر انتفاء الحاجة للاستئجار، وعادت وتباطأت 9 أشهر لتكليف دار الهندسة فحص المبنى.
ولفت إلى أن "تاتش" لم تتثبت من أن المبنى صالح، بل ضمّنت العقد زوراً اعترافاً بصلاحيته، وموّهت في الملحق عيوب المبنى، فضلا عن تقديمها تقديراً لكلفة الانتقال إلى المبنى الجديد في 2013 ضعف كلفة الانتقال المقدرة في 2011 و2012.
وأكد الديوان أن "تاتش" تخطّت تعليمات وزير الاتصالات بطرس حرب بوجوب فسخ العقد ورتّبت على الدولة موجبات مالية.
وصرف النظر عن متابعة ملف "قصابيان" بعد تعيين جمال الجراح وزيراً للاتصالات في 2016، والذي طلب من الشركة البحث عن خيار مناسب من بين أربعة مبان عُرضت عليها، حيث وافقت على مبنى "الرينغ" الذي لم يكن خياراً جيداً، رغم أنه كان الأقل سوءاً.
ووقعت شركة "تاتش" عقد استئجار لـ 15 سنة ببدل إيجار سنوي يبلغ 6.4 مليون دولار، تزيد بنسبة 1.5% سنوياً، فيما دفعت الدولة 22 مليوناً و600 ألف دولار لشركة مقاولات لاستكمال وتجهيز المبنى الذي كان قيد الإنشاء، من دون استدراج أي عروض.
وبعدما أثارت وسائل الإعلام أخباراً حول هدر في الصفقة، وافق وزير الاتصالات الجديد محمد شقير (عُيّن في 2019) على شراء المبنى، مقابل 68.5 مليون دولار، من دون حسم الـ22 مليوناً و600 ألف من سعر المبنى الذي كان قد مرّ على استئجاره ثلاثة أشهر فقط.
اتفق شقير ومالك المبنى على أن يكون الشراء بالتقسيط على ثلاث سنوات، ما رتّب على الدولة فوائد بقيمة 5 ملايين و100 ألف دولار إضافية على السعر، كما رتّب فسخ شقير الإيجار غرامة على الدولة قدرت بـ 233 ألف دولار.
سددت الخزينة 23 مليوناً و600 ألف دولار كدفعة أولى من ثمن المبنى. أما الأقساط السنوية البالغة 45 مليون دولار والتي كان يفترض تسديدها سنوياً (15 مليوناً في كل من 2020 و2021 و2022)، فقد تخلّف كل من شقير والوزيرين طلال حواط (عُيّن في 2020) وجوني قرم (عين في 2022) عن تسديدها، ما دفع مالك المبنى إلى رفع دعوى قضائية في آذار 2022 لإلغاء عقد البيع واسترداد المبنى، علماً أن في العقد بنداً جزائياً يغرّم الدولة 15 ألف دولار عن كل يوم تأخير.
وأشار ديوان المحاسبة إلى شبهات حول وجود صفقة تبييض أموال ودفع رشى. فقبل إبرام عقد الإيجار، تأسست شركتان وهميتان، "AC" و"BC"، اشترتا المبنى من "سيتي ديفلوبمنت"، ورهنتا عقد الإيجار لدى مصرف فرنسبنك للحصول على قرض بقيمة 22.174 مليون دولار، رغم أنه لم يمضِ على تأسيسهما أكثر من شهر، ورغم أن رأس مال كل منهما لا يتجاوز 30 مليون ليرة.
وبعد الحصول على القرض، أعادت الشركتان بيع المبنى إلى "سيتي ديفلوبمنت". واللافت أن الأخيرة هي من ضمنت الشركتين لدى فرنسبنك. والمفارقة أن عقد الإيجار الذي أُعطي القرض بموجبه حُرّر بتاريخ 24/5/2018، في حين أن عقد الإيجار نفسه أبصر النور بتاريخ 13/7/2018، ما أكد للديوان وجود تلاعب ما.
والمفارقة الأكبر فهي عدم وضع إشارة لعقد البيع في السجل العقاري، بمعنى أن لا شيء يثبت أن الدولة اشترت المبنى، بل جرى توقيع نسخة واحدة من عقد بيع أودعت لدى أحد المحامين وليس لدى كاتب بالعدل، و«للمصادفة»، فإن هذا المحامي هو محامي شركة AC نفسه، وفق موقع "الأخبار".
وبناء لمعطيات توافرت لديوان المحاسبة، فإن ثمنه آنذاك لم يكن بما لا يتجاوز 45 مليون دولار. بمعنى أن الدولة اشترته بضعفي سعره. وقدّر الديوان مجمل المبالغ المتوجبة على الخزينة نتيجة الصفقة بـ 102.933.370 دولاراً، سُدِدَ منها 52.833.370 دولاراً، ويبقى حوالي 50 مليون دولار، هي عبارة عن الأقساط الثلاثة إضافة إلى الفوائد المحددة في العقد والبالغة 5.1 مليون دولار.
ووقعت الخسائر أيضاً بفعل مبالغ جرى تضخيمها في العقد، كبدل الإيجار المسدد عن السنة الأولى عندما كان المبنى غير منجز، وكان يفترض أن يكون إيجاره أقل من مبنى منجز. وكذلك بفعل ثمن المبيع الذي حدد بـ68 مليوناً و500 ألف دولار، وهو أعلى بكثير من قيمة السوق آنذاك. مع الإشارة إلى احتمال تفاقم الخسائر في حال نجح مالك المبنى في دعواه بإلغاء عقد البيع وتحصيل غرامة قدرها 5.475.000 عن كل سنة تأخير، أو في حال إعلان إفلاس "سيتي ديفلوبمنت".
وخلص الديوان إلى أن الوزير نقولا صحناوي أخلّ بواجباته بإبرام العقد رضائيّاً من دون مناقصة أو استجرار عروض، ولم يتثبّت من ملاءمة بدل الإيجار أو صلاحية المبنى، ما أدى إلى إهدار أكثر من 10 ملايين دولار، فضلاً عن التسبب في دعاوى لا تزال عالقة ضد "تاتش" تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار. كما وافق على الاتفاقية الملحقة لعقد الإيجار الأساسي رغم طابعها المجحف بحق الخزينة. ولم يعرض عقد إيجار المبنى والتعديل الحاصل عليه على ديوان المحاسبة، ما يشكّل مخالفة صارخة للأحكام القانونية، وهدراً للمال العام.
وأكد الديوان أن الوزير بطرس حرب أخلّ بواجباته لأنه اكتفى بفسخ عقد الإيجار، ورغم علمه بحصول هدر للمال العام، لم يتّخذ أي إجراء لاسترداد المال المهدور، سواء من الإدارة السابقة (صحناوي) أو من "تاتش"، وجلّ ما فعله هو تقديم "إخبار وليس شكوى" حول شبهات في الملف إلى النيابة العامة المالية بناء على تحقيقات صحافية، من دون أن يتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامة المالية، كأن يطلب التوسع في التحقيق. كما لم يتّخذ أي إجراء بحق "تاتش" لأنها خالفت تعليماته بفسخ العقد لإلزامها تحمّل أي ضرر.
وأوصى الديوان بضرورة تحرّك وزارة الاتصالات لدى الإدارات المعنية ومنها هيئة القضايا (محامي الدولة) لتحديد المسؤوليات عن الخسائر بالأموال العمومية، تمهيداً لمطالبتهم بتعويض عن العطل والضرر.
وحث على الطلب من الوزارة تسوية النزاع القائم مع مالك مبنى قصابيان لأن إهمال الملف فيه ضرر.
وطالب بإحالة الملف على النيابة العامة لدى الديوان والنيابة العامة التمييزيةـ إضافة إلى نقل ملكية مبنى الرينغ إلى الدولة اللبنانية.