سبعة وثمانون يومًا كان كل يوم فيها، بل كل ساعة، بل كل دقيقة تمثل انتصارًا، حتى كان يوم الارتقاء الذي توج انتهاء المعركة، فعلت إرادة الشيخ خضر عدنان بالشهادة، وهوت إرادة الاحتلال بالفشل في قهر تلك الإرادة العابرة لإنسانية الإنسان، فكانت في سموها وطهارتها كأنها إرادة ملائكية لا تعتريها أي من شهوات الإنسان التي تمثل حالات ضعفه.
خضر عدنان غادر ضيق زنزانته الباردة المظلمة إلى رحابة ملكوت لا ينتهي بجلال الشهادة التي مهادها حب الوطن، مضى خضر عدنان نحو عليائه، ولكن قبل مغادرته التي تجاوزت حدود الزمان والمكان ترك إرثًا ووصيةً، أما إرثه فهو إرث الثائر الذي صاغ نموذجًا للثائر الذي لا تكسر إرادته مهما تعالى جبروت الاحتلال ليسقط في النهاية تحت قدميه بالشهادة التي تغيظ العدى وتقهر السجان وتحطم الأغلال.
إرث خضر عدنان يتجاوز بلا أدنى شك الحالة الفلسطينية إلى الحالة العالمية ليمثل تراثًا إنسانيًّا بطوليًّا يضيف إلى قيم الكرامة الإنسانية بعدًا صادقًا ونموذجًا ملهمًا لعظمة الروح الإنسانية الحرة التي تأبى الضيم، ولو كان لدى هذا العالم أدنى احترام وتقدير للنضال الإنساني لوقف على قدم واحدة وانحنى إجلالًا واحترامًا وإكبارًا لهذه الروح العظيمة التي جسدت بتمام الصدق والإخلاص الكرامة الإنسانية التي يدعي "العالم الحر" أنه يسعى لصونها.
تتصاغر اليوم أمام عظمة روح خضر عدنان كل المسميات العالمية التي وضعت على لوائح شرف النضال العالمي والإنساني، ويعلو نجم خضر عدنان الفلسطيني الذي خاض الحرب الأصعب، واستخدم السلاح الأقسى على النفس وانتصر الانتصار الأجل والأسمى.
إرث خضر عدنان سيبقى مصدر إلهام ومعين صمود ومنهل تحدٍّ للاحتلال حتى يزول، وسيبقى اسمه قمرًا بارزًا على مدى الزمن لامعًا في سماء الوطن التي تزينت بنجوم وأقمار لا تزال تشع نورًا يهدي السائرين في طريق الحق والعدل والحرية.
أما وصية الشيخ خضر فأظنها واضحة تختصر كل الكلمات وتتجاوز كل المعاني، كلمة ستبقى ما بقي الاحتلال تقول: "لا تساوم".
رسالة ووصية خضر عدنان لكل شاب وشبل وزهرة ورجل وامرأة وشيخ وحاجة فلسطينية لكل قائد لكل مناضل لكل ثائر، أن العلاقة مع الاحتلال هي علاقة "لا تساوم" والنصر حليف الذي لا يساوم، والانكسار والذل والهوان لمن يقبل المساومة على الوطن وعلى الحق وعلى الحرية.
خضر عدنان يلخص اليوم قضية الوطن السليب والشعب الشريد والمقاومة الباسلة لتتجلى تلك المعاني في أبهى وأنقى صورها مقابل صورة سوداء بائسة متهتكة منتهكة للمساومة التي غرقت في ماء الاحتلال الآسن حتى أصبحت والعفن سواء.
لن نقول اليوم المجد والخلود لك يا خضر عدنان، فأنت بارتقائك المتجاوز حدود الزمان والمكان أصبحت أنت من تهب المجد وتهب خلود السيرة لمن يقتفي أثرك ويلتزم إرثك ويعمل بوصيتك.