احتجَّت السلطة الفلسطينية على التغطية الإخبارية لفضائية الجزيرة لأحداث جنين، واتهمتها بالانحياز ضد السلطة، وطالبتها بالتزام المهنية. في رسالة الاحتجاج ثمة أسلوب علمي مؤدب، ولكن وجه الاحتجاج غير واضح في الرسالة، فالجزيرة غطت أحداث جنين والأطراف الفاعلة فيها، والسلطة لم تكن طرفًا، ولا طرفًا فاعلًا، بل كانت أجهزتها الأمنية طرفًا سالبًا ومتهمًا من الفصائل المقاومة في جنين، حيث تطالب الفصائل بالإفراج عن معتقلين بأسماء محددة اعتقلتهم أجهزة السلطة.
السلطة تحتج على الجزيرة في تغطية إخبارية، ولا تحتج على حكومة نتنياهو التي قررت أن يناقش اجتماعها القادم أفكارًا لدعم السلطة الفلسطينية، ولا سيما في جوانب مالية واقتصادية. تصريح حكومة نتنياهو بعد اجتياح مخيم جنين وتدمير مساكن اللاجئين، وإصابة مائة مواطن، وقتل عشرة يثير اتهامًا مباشرًا للسلطة بأنها كانت متواطئة مع الاحتلال.
ولنفرض أنها لم تكن متواطئة، ولكن التصريح الإسرائيلي يثير في وجهها التهمة، ومن حق المواطن أن يسأل: لماذا قررت حكومة نتنياهو مناقشة موضوع دعم السلطة بتصريح علني مقصود بعد اجتياح جنين؟ ومن حقه أيضًا أن يسأل: لماذا لم تحتج السلطة على هذه التصريحات الإسرائيلية، وهي تصريحات مثيرة لتهمة التواطؤ؟
السلطة تحتج على تغطية إخبارية لا تثير مثل هذه التهمة، في حين لا تحتج على إعلام نتنياهو الذي يثير هذه التهمة، ويؤكد بقاء التنسيق الأمني في أثناء الاجتياح وقبله وبعده. حين تكون السلطة غارقة في الفشل، وفاشلة في حماية المواطنين، تجد حلًا للفشل بتوزيع اتهامات على الغير، فتزعم أن منتقديها يقومون بما فشل الاحتلال بفعله، تعني بذلك أنهم يمزقون الوحدة الوطنية! الوحدة الوطنية لم تثبت السلطة وجودها العملي في جنين، لا قبل الاجتياح ولا بعده، بدليل أن قادة الفصائل يطالبون السلطة بالإفراج عن المقاومين، وأهالي المخيم يرفضون استقبال قادةٍ من السلطة، ويرفضون وجودهم في المخيم.