ظننت عندما كبرت أن القط ليس وفيا لصاحبه، وما كنت أشاهده في مسلسل الرسوم المتحركة الشهير "توم وجيري" الذي يسعى فيه القط "توم" صاحب اللون الأزرق الرمادي للتخلص من الفأر "جيري" الذي يزعج صاحبة المنزل التي تربيه شيء من الخيال. لكن ما إن رجعت إلى التاريخ حتى وجدت القط وفياً، فهو يعد من أكثر الحيوانات قرباً من الإنسان، وقد لازمه في مختلف العصور، ووثقت كتب التاريخ الفلسطيني وقوف القط إلى جانب الإنسان في "مواجهة المحتلين". فعندما نفذت الحملة الفرنسية على فلسطين التي كانت تمكث تحت الحكم العثماني، حينها هب الفلسطينيون ووقفوا صفا واحدا لمواجهة الحملة الفرنسية، ووقعت معركة "عزون" التي اندلعت بين الفلسطينيين الذين زحفوا من نابلس لنجدة يافا، وتصدت لهم ميمنة الجيش الفرنسي، فانسحب الفلسطينيون إلى وادي "عزون"، فتبعتهم فرقة فرنسية، وتموضعت من شدة التعب والإرهاق في أحراش "عزون"، ووضعوا ذخائرهم في الاحراش، وجلسوا بجوارها للراحة والنوم. بالتزامن مع تموضع الفرنسين في الأحراش كانت فرقة من أهالي نابلس قد أحاطت بالأحراش، وهنا تدخلت القطط؛ حيث ربط الثوار صرر من قماش منقوعة بالزيت بأرجل القطط، وأشعلوها ودفعوها نحو الأحراش فاشتعلت النيران فيها، ودخلت خيام الجيش الفرنسي، كما أطلق الثوار النار على الذخائر والعتاد الفرنسي؛ فالتهب البارود واحترقت الأحراش، واحترق من فيها من الفرنسيين وكل من حاول الهرب وجد من ينتظره. وبعد تلك المعركة التي لعبت القطط دورا هاما في انتهائها لصالح الثوار، وسميت مدينة نابلس باسم "جبل النار" فكان لها نصيب من التسمية، وكتب ذلك في العديد من كتب التاريخ؛ أبرزها كتاب تاريخ فلسطين في أواسط العهد العثماني للمؤرخين "عصام سيسالم، وزكريا السنوار". وإذا كان الحظ قد حالف القطط الفلسطينية في العهد العثماني وتم توثيق بطولتها، إلا ان التاريخ لم يذكر دور القطط في "حرب الحرائق" وهي الوسيلة التي وجد فيها الشباب الفلسطيني المنتفض على الاحتلال وسيلة لاستنزاف اقتصاد الكيان الصهيوني الذي أقيم بعد النكبة، وذلك بتوظيف القطط للقيام بحرق الحقول الواقعة شرق قطاع غزة خاصة في أوقات الظهيرة خلال فصل الصيف. ويفسر الأسير المحرر حسن المقادمة وهو مسئول عن عدد من عمليات حرق الحقول، السبب في اختيار الفلسطينيون للقطط لتنفيذ هذه المهمات، لأنها كانت عندما ترى النار مشتعلة في خلفها تندفع باتجاه الأمام، وبالتالي تقوم بنقل شرارة النار إلى الحقل الذي أوشك حصاده. وظلت القطط الوسيلة المعروفة لهذا النوع من الاستنزاف الاقتصادي، إلى حين إقامة الجدار الحدودي بشكله الحالي المعروف شعبيا باسم "السلك" أواخر سبعينيات القرن الماضي، عندها فكر "المقادمة" بطريقة جديدة لمواصلة "حرق الحقول" فجلب قضبان من الحديد، ولف أحد أقطابها بقطعة كبيرة من القماش مبللة بالزيت والكيروسين، ومن ثم كان يتم اشعالها وإلقائها من فوق الجدار الالكتروني نحو الحقول المستهدفة. ونجح "المقادمة" برفقة محمود عيسى القائد في "كتائب القسام" الذراع العسكري لـ"حماس"، والذي استشهد خلال انتفاضة الأقصى الثانية، وعدد من الشبان في حرق ما يزيد عن مائة دونم مزروعة بالحبوب. فالقطط ذكر فضائلها وطهارتها في أحاديث عدة واردة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، منها وصفها بأنها "متاع البيت"، ومن "الطوافين عليكم" أي (المقاربين لكم)، فهي من الحيوانات الأليفة التي تؤدي الأعمال البطولية، وتضع نفسها في خطر لمساعدة الشخص المربي لها، وأصبحت هناك قصص مشهورة لبطولات القطط. ومن هذه البطولات قصة القطة "شارلي" التي أنقذت حياة صاحبتها البريطانية "سوزان مارش آرمسترونغ"، عندما سقطت مغمى عليها في الحمام، هرعت إلى زوج المرأة لتوقظه من النوم وترشده إلى حيث زوجته ممددة على الأرض، وفازت القطة "شارلي" بالمرتبة الأولى في مسابقة "القط البطل" التي نظمتها جمعية "حماية القطط" بلندن في أغسطس الماضي. وإذا كانت قد "شارلي" قد فازت في مسابقة "القط البطل" لأنها أنقذت صاحبتها، فكيف بالقطط الفلسطينية التي أنقذت حياة سكان مدينة بأكملها؛ عندما منعت تقدم جيش كان ينوي احتلالها مدينة نابلس، اعتقد أن القط الفلسطيني هو القط البطل لكنه لم ينصف.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.