كتبت المعلقة في صحيفة "نيويورك تايمز" ميشيل غولدبيرغ عن الرد الهستيري المفرط بشأن زلة لسان النائبة الديمقراطية براميلا جايابال عن "إسرائيل" وأنها دولة عنصرية، ففي نهاية الأسبوع الماضي، قالت النائبة الديمقراطية عن نيويورك والتي تترأس مجموعة التقدميين في الكونغرس إنها ارتكبت خطأ واضحا ووصفت إسرائيل بأنها "دولة عنصرية"، بدلا من وصفها بالدولة التي يوجد فيها قادة عنصريون ويعاملون الكثير من السكان الخاضعين لهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بل وأسوأ من هذا، بناء على أصولهم الدينية والعرقية.
وأدى كلامها إلى عناوين أخبار دولية وتوبيخ من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وأظهر أنه مهما انحرفت "إسرائيل" عن الأعراف الديمقراطية الليبرالية، فعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، فلا تزال محمية بشبكة كثيفة، من المحرمات.
وحدثت زلة لسان جايابال في مؤتمر "نيت روتس نيشن" التقدمي الذي عقد في شيكاغو، حيث عطل الناشطون المؤيدون لفلسطين المؤتمر الذي شاركت فيه. وكان المتظاهرون يستهدفون زميلة جايابال جان شاكووسكي، لرفضها التوقيع على مشروع قرار يؤكد عدم استخدام الدعم الأمريكي في اعتقال الجيش للأطفال الفلسطينيين. وفي محاولة لتخفيف غضب المتظاهرين وافقت جايابال على أن "إسرائيل" هي دولة عنصرية وأن الفلسطينيين يستحقون دولة وحق تقرير المصير وأن حلم الدولتين بات بعيد المنال.
وبعد أن غادرت المنصة أخبرت جايابال الكاتبة بأنه كان يجب عليها عدم استخدام "دولة عنصرية"، وهذا صحيح لأنها لم تتعرض لطوفان نقد من اليمين، بل ومن البعض في داخل الحزب. وقامت مجموعة من نواب الوسط في الحزب الديمقراطي بتوزيع رسالة لجمع التوقيعات من النواب ووصفت كلام جايابال بأنه "غير مقبول" وأن الجهود "لنزع الشرعية وشيطنة" إسرائيل هي "معاداة للسامية خطيرة"، وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب إن "إسرائيل ليست دولة عنصرية"، وذلك في بيان لم يذكر اسم جايابال ولكنه رد على تصريحاتها، كما يبدو.
وقدمت جايابال يوم الأحد اعتذارا قالت فيه: "لا أعتقد بفكرة إسرائيل كأمة عنصرية" مع أن هناك "متطرفين عنصريين" و"سياسات عنصرية واضحة" في حكومة بنيامين نتنياهو.
وتعلق الكاتبة أن توضيح جايابال كان حكيما، فمن الجيد أن تكون دقيقا قدر الإمكان عند مناقشة موضوع معقد ومحفوف بالمخاطر مثل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان بالإمكان تفسير كلامها في مؤتمر "نيت روتس نيشن" على أنه معارضة أيديولوجية للصهيونية ولا تعكس مواقف جايابال ومعظم الديمقراطيين، والتي تريد دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية. إلا أن شدة ردة الفعل تقترح وبشكل مدهش الإنكار السياسي الهش للتحول الديكتاتوري والشوفيني في "إسرائيل".
وتقول الكاتبة إن من اللافت بمكان إحالة بيان قادة الديمقراطيين في مجلس النواب إلى إعلان 1948 لاستقلال "إسرائيل" والذي شمل تعهدا بأن تلتزم "إسرائيل" بالمساواة السياسية والاجتماعية لكل مواطنيها بدون تمييز بين العرق والدين والجنس. ويمكننا مناقشة إن كان هذا التعهد متوافقا مع مشروع يقوم على خلق وطن لشعب مضطهد بدون وطن تسبب بلاجئين من وطن آخر. وما يهم اليوم هو أن قيادة "إسرائيل" لا تلهم ذلك الأمل التأسيسي. فقد كتب نتنياهو في عام 2019 "إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها"، و"بحسب قانون القومية الأساسي، فإسرائيل هي دولة للشعب اليهودي وله فقط"، وكان يشير لقانون عام 2018 والذي خفض مستوى اللغة العربية كلغة رسمية.
بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال فلا مجال للتظاهر بالمساواة، فهم عرضة وبشكل منظم لمصادرة بيوتهم وهدمها والقيود المستمرة على حرية الحركة. وحتى المواطنون الفلسطينيون في "إسرائيل" فإنهم يواجهون تمييزا قانونيا واجتماعيا. فالفلسطيني الإسرائيلي لا يمكنه الحصول على الجنسية لزوجته من الضفة الغربية. ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير هو تابع للمهووس المعادي للعرب مائير كهانا واتهم مرة بالتحريض على العنصرية والإرهاب. وكان يعلق صورة باروخ غولدستين الذي قتل 29 مصليا في الحرم الابراهيمي عام 1994 في غرفة المعيشة. وتفكر "إسرائيل" بإنشاء ميليشيا تحت إمرته.
وتؤكد الكاتبة أن قادة الدولة قد يكونون عنصريين بدون أن تكون الدولة، ولهذا السبب فجيابال ليست معادية للصهيونية، ولكن التدافع لشجبها لم يكن عن الاستخدام اللغوي، بقدر ما هو عن الثمن السياسي للتحدث علانية عن "إسرائيل". فلو كنت من التيار الليبرالي فمن الصعب عليك الدفاع عن نتنياهو، فمن السهل أن يسارع المدافعون عن "إسرائيل" لتوبيخ النقاد ولخطأ بسيط، وبخاصة قبل خطاب يتسحاق هيرتسوغ أمام الكونغرس يوم الأربعاء والذي سيقاطعه العديد من النواب التقدميين.
وتقول جايابال إن المدافعين حتى الموت عن "إسرائيل" "يشعرون وكأنهم فقدوا المصداقية لأن سياسات حكومة نتنياهو عنصرية جدا ويريدون إسكات أي نقاش ناقد" وهي محقة كما تقول الكاتبة. ولو كان المدافعون عن "إسرائيل" قلقين من تداعيات تهم العنصرية، فعليهم التصرف لجعلها أقل مصداقية.