18.33°القدس
17.95°رام الله
17.75°الخليل
23.28°غزة
18.33° القدس
رام الله17.95°
الخليل17.75°
غزة23.28°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: كيف حقق أردوغان مصالحة تاريخية مع الأكراد

لم يكن الخطاب أو النداء الذي كتبه عبد الله أوجلان وألقاه أحد القادة الأكراد أمام مئات الآلاف في ديار بكر عاديا بأي حال. إنه نقطة تحول رائعة، تفتح بابا لمصالحة تاريخية تتجاوز تركيا إلى عموم المنطقة. لا أعتقد أن الخطاب قد نزل بردا وسلاما، لا على زعماء الأكراد في الشمال العراق، ولا على الرؤوس الحامية بين أكراد سوريا، وربما لم ينزل بردا وسلاما كذلك على بعض قادة الأكراد الأتراك ممن يتاجرون بالقضية الكردية، بينما هم متورطون حتى آذانهم في ألعاب التجارة والتهريب، إلى جانب علاقات ودعم من قبل دول إقليمية نافذة؛ لم يعد سرا أن من بينها إيران التي تعاقب أردوغان على وقفته ضد نظام بشار الأسد، فضلا عن الأخير نفسه الذي صارت له صلاته معهم بعد اندلاع الثورة واتضاح الموقف التركي الداعم لها. خطاب أوجلان لم ينزل بردا وسلاما أيضا على قلوب قادة الحزب الشعب الجمهوري المعارض لأردوغان، والمتورط أيضا بدعم بشار الأسد سياسيا، فضلا عن الحزب القومي الذي يعتبر التصدي للطموحات الكردية جزءا من تجارته السياسية، لاسيما أن مصالحة كهذه لن تعني غير تتويج أردوغان زعيما تاريخيا على تركيا عبر تحويل النظام إلى رئاسي ومنحه ولايتين جديدتين، هو الذي يعتبر أطول رئيس وزراء تعميرا في تاريخ تركيا، وهو أمر أدركه نتنياهو قبل سواه، حين قدم لأردوغان اعتذارا عن حادثة “مرمرة”، ووافق على تعويض أهالي الضحايا، وتخفيف الحصار على قطاع غزة. لم يكن ما جرى سهلا بأي حال، فقد احتاج أردوغان إلى رحلة لا بأس بها من تطبيع العقل السياسي الشعبي على التعامل مع رجل يعتبر مجرما في نظره، فضلا عن حزبه الذي خاض في دماء الشعب لزمن طويل، في صراع ذهب ضحيته أكثر من 40 ألف إنسان من الجانبين. الأمر ذاته ينطبق على أوجلان الذي أدارت معه السلطة عبر بعض رموزها حوارات مطولة ومعمقة، أفضت إلى ما يمكن القول إنه مراجعة تاريخية لفكره وبرنامجه؛ من السلاح والعنف إلى السياسة والسلام والديمقراطية، والقبول بالتعايش بين أبناء البلد الواحد، بعيدا عن النزعات الطائفية والعرقية. ربما كان لسجنه الطويل، وقراءته وتأملاته، وربما كبر سنه دور في ذلك، لكن المؤكد أنه اختار المسار الصحيح لشعبه، ولعموم الأتراك، ولا يمكن القول إنه تنازل عن مبادئ عظيمة كما يحدث مع بعض السجناء الذين يتنازلون من أجل وضعهم الخاص. لقد اختار الرجل تسوية تاريخية لن تضر بشعبه أبدا، بقدر ما ستحمل له الخير والرفاه، وتبعا لذلك لعموم الأتراك الذين يعيشون وضعا متميزا منذ سنوات. وهنا ينبغي القول إن هذا التحول في مواقف أوجلان لم يأت في بعض تجلياته سوى انعكاس لجدل في الشارع الكردي نفسه بعد المواقف التي اتخذها أردوغان حيالهم، والتي منحت مناطقهم الكثير من المزايا، خلافا لكل الحكومات السابقة. لقد تعامل معهم أردوغان كجزء لا يتجزأ من شعبه، ولم يعاملهم بمنطق الثأر بسبب تأييدهم لحزب العمال، بل فصل هذه القضية عن تلك، وتقدم نحوهم بخطوات جبارة من دون شك. لا خلاف على أن الأزمة السورية، ومحاولة استثمارها من قبل إيران والنظام السوري عبر دفع الأكراد نحو تفعيل السلاح ضد الدولة التركية، لا خلاف على أن ذلك ساهم بتسريع الحل عبر حث الحوارات مع أوجلان وصولا إلى هذا الاتفاق التاريخي. كل ذلك مهّد الأجواء لهذه المصالحة التاريخية التي ستسجل له، تماما كما ستسجل وبشكل أقوى لأردوغان وحزبه، وهي تعني فيما تعنيه حل مشكلة مستعصية في المنطقة. وحين يتزامن هذا الأمر مع تعيين كردي كرئيس للحكومة السورية المؤقتة، فإن الأمر يعني الكثير لجهة إدماج هذه الفئة في مجتمعاتها كجزء لا يتجزأ منها بعيدا عن روحية الانفصال. وإذا ما سارت الأمور وفق المأمول، ولم يتمرد بعض قادة حزب العمال، فإن الخطوة التالية بعد انتقال مسلحي الحزب إلى شمال العراق هي عودتهم إلى وطنهم واندماجهم في مجتمعهم ليكونوا جزءا منه يحمونه ويساهمون ببنائه بدل أن يدمروه. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل بتداعيات هذه الخطوة على عموم المشرق العربي في أجواء ربيعه الخاص، والتي ستعني اندماجا للجميع في دولة المواطنة التي تتعامل مع مواطنيها بروحية الحرية والتعددية والعدالة. تسوية تاريخية تستحق الترحيب من دون شك، وندعو الله أن تتكلل سائر خطواتها بالنجاح لتكون نموذجا يحتذى في هذا المشرق الغني بتنوعه العرقي والطائفي. تنوع يُريد له أعداء الأمة أن يكون عنصر فرقة وتدمير عبر سياسة “فرّق تسد”، بينما يريده المخلصون عنصر خير وثراء ونماء