قبل ستين عاما وفي حادثة نادرة في تاريخ الطيران المدني، تمكن قائدا طائرة ركاب سوفيتية كانت في رحلة من مدينة تالين في إستونيا إلى موسكو من الهبوط اضطراريا بنجاح على سطح الماء.
طائرة الركاب السوفيتية إيروفلوت "توبوليف-124" وعلى متنها 45 راكبا وطاقم يتكون من 7 أفراد، كانت تعرضت لعطل، بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار تالين في إستونيا في رحلة متوجهة على موسكو. تبين حينها أن ساق العجلات الأمامية تعطل عن العمل في المنتصف ولم يسحب إلى داخل الطائرة حتى نهايته.
أراد طاقم الطائرة الهبوط في مطار "يوليميست" الإستوني، إلا أن الطقس والضباب الكثيف فوق المدرج حال دون ذلك، فما كان من برج مراقبة الملاحة الجوية إلا الإيعاز بالهبوط في مطار "بولكوفو" في لينينغراد، المدينة التي يطلق عليها حاليا اسم سان بطرسبوغ.
وُضعت جميع خدمات الطوارئ في المطار في حالة تأهب، وكان ينتظر أن تهبط الطائرة على باطن هيكلها، ولذلك لم يستبعد احتمال حدوث الأسوأ وتحطم الطائرة.
بعد مرور ساعتين على الإقلاع اقتربت طائرة الركاب السوفيتية وكانت تحلق على ارتفاع منخفض حول مدينة لينينغراد، وذلك لتفريغ الوقود تحسبا من مخاطر نشوب حريق عند الهبوط كما هو متبع من إجراءات في مثل هذه الحالات.
كان يمكن أن تسقط الطائرة على الأحياء السكنية، خاصة أنها قبل أن تصل إلى المطار تعطلت محركاتها وتبين أن الوقود نفذ ولم ينتبه الطاقم لانشغاله بمحاولة إصلاح ساق العجلات الأمامية وفوت فرصة الهبوط على مدرج المطار.
في تلك الثواني لم يكن أمام الطاقم من خيار سوى الهبوط على نهر "نيفا"، وسارع قائد الطائرة فيكتور موستوفوي إلى ترك قيادة الطائرة أثناء الهبوط إلى مساعده فاسيلي شيشينيف، لأنه كان عمل سابقا في الطيران البحري ولديه خبرة في الهبوط على الماء.
تصادف خلو مجرى نهر "نيفا" في ذلك الوقت من السفن الكبيرة، وهبطت الطائرة رويدا رويدا إلى أن لامست الماء بسلاسة، وتمكنت من تفادى اصطدام ذيلها بالماء، الأمر الذي كان يمكن أن يؤدي على تحطمها وغرقها.
توقفت الطائرة على الماء وسارعت قاطرة بخارية إليها وتم إجلاء الركاب والطاقم بعد أن سلموا من موت محقق، وجرى إرسالهم إلى موسكو، محطتهم الأصلية.
هرع الكثير من المارة في وسط مدينة سان بطرسبوغ إلى مشاهدة هذا المشهد الفريد، طائرة ركاب متوقفة وسط النهر.
غرق قسم من الطائرة بعد إجلاء ركابها والطاقم، وجرى في اليوم التالي انتشالها واستخدمت في مدرسة للطيران في منطقة "تامبوف"، وبقيت هناك إلى أن فككت في عام 1970.
في البداية أوقف قائد الطائرة ومساعدة عن العمل وجرى التحقيق معهما لتفويتهما فرصة الهبوط على مدرج المطار، إلا ان ركاب الطائرة أشادوا بمهارة الطيارين ما غير الموقف ودفع إلى مكافأتهما من قبل السلطات وترقية مساعد الطيار الذي نفذ عملية الهبوط على الماء. بعد الحادثة أصبح طيارا رئيسا.
ربما يتذكر البعض طائرة الركاب الأمريكية التي تمكن قائدها في عام 2009 من الهبوط على مياه نهر هدسون الباردة في نيويورك بعد دقيقة ونصف من الإقلاع بسبب تعطل محركات الطائرة، في عملية تحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان "معجزة على نهر هدسون".
تشيلسي سالنبرغر كان طفلا صغيرا لم يتجاوز 12 عاما حين تمكن الطياران السوفيتيان من الهبوط بالطائرة في مياه نهر "نيفا" في لينينغراد عام 1963، وبعد مرور 46 عاما تمكن من تحقيق نفس الإنجاز وإنقاذ حياة 150 راكبا كانوا على متن طائرته.