هل كانت الزيادة المضطردة لنفوذ حماس بين طبقات الشعب الفلسطيني إضافة إلى أيديولجيتها الفكرية سببًا في عقد دولة الاحتلال اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير؟! هذا السؤال تجيب عليه وثائق دولة الاحتلال التي نُشرت مؤخرًا بمناسبة الذكرى (٣٠) للاتفاقية، إذ ذكرت جلسة الحكومة برئاسة رابين التي وافقت فيها على الاتفاقية، أن شيمعون بيرس قال في تبرير الموافقة على الاتفاقية التي أيدها (١٦) وعارضها اثنان، وكان هو من المتحمسين للاتفاقية: "لنفترض اختفاء منظمة التحرير، مع من سنتحدث؟ مع من سنتفاوض؟ مع زعيم حماس؟!". وقال: "إن هناك التزامًا صريحًا عند التوقيع على إعلان المبادئ بأن يصدر ياسر عرفات إعلانًا عن وقف الإرهاب؟!".
وثائقهم تحكي هرولة نحو منظمة التحرير لاستباق متغيرات قادمة تكون فيها حماس والمقاومة صاحبة القرار الفلسطيني، وفي الوقت نفسه ذكر باحثون أن ياسر عرفات تعجل الاتفاق مستبقًا تغيرات موازين القوة الداخلية التي كشفت عنها انتفاضة الحجارة.
إن تخوّف عرفات من تزايد قوة حماس وشعبيتها ليس مبررًا، لأن قوة حماس قوة له ولفتح ولفلسطين، والمقاومة بما فيها حماس لم تكن تنازع منظمة التحرير ورقة القرار الفلسطيني البتة.
أما تخوف بيرس فله ما يبرره إذ إن فكر حماس السياسي والديني يمنعها من مفاوضة دولة الاحتلال وعقد اتفاقية سلام معها.
يبدو أن الفكر السياسي غير الناضج يعيد نفسه ويكرر نفسه، إذ تذكر مصادر صحفية وإعلامية أن دولًا عربية تخشى اتساع قوة حماس في الضفة، وهو اتساع قد يعيق توجهات التطبيع، لذا تذهب قوى التطبيع لدعم محمود عباس لتحجيم نفوذ حماس والمقاومة في الضفة، بحيث يسهل ذلك عليهم رحلة التطبيع. وهذا تخوف غير مبرر، وفاسد كسابقه الذي دفع ياسر عرفات للهرولة نحو اتفاق أوسلو والقبول بحكم ذاتي انتقالي قبل تحرير الأرض وزوال الاحتلال.
ما أود قوله: إن الفكر السياسي الفلسطيني الذي أنتج أوسلو، وبث الفرقة بين مكونات المقاومة وبقية الفصائل، يحتاج إلى مراجعة جذرية، وإن سياسة الاحتلال التي تقوم على سياسة فرق تسد، وبث التنازع بين الفصائل تحتاج لمواجهة من الكل الفلسطيني، وإن الوثائق التي نشرها الاحتلال بعد ثلاثين سنة من الاتفاقية تحتاج لقراءة وطنية عميقة.