تطورٌ تكنولوجيٌ متسارعٌ يدهم العالم أجمع، حيت بات الذكاء الاصطناعي حديثَ السّاعة، ولا سيما حول تهديده ملايين الوظائف في العام، وسط مخاوفٍ عديدةٍ لأصحاب المهن حول العالم.
مهنةُ الصحافة كغيرها من المهن، التي تواجه تحديات أدوات الذكاء الاصطناعي، وقدرته على القيام بالأعمال الصحفية، فما تأثير تلك الأدوات على عمل الصحفيين، وهل بات الذكاء الاصطناعي يهدد مهنة الصحافة فعلًا؟
استخدام محدودٌ للغاية
يعتقد أستاذ الصحافة في جامعة الأقصى غسان حرب، أن استخدام الصحفيين الفلسطينيين لأدوات الذكاء الاصطناعي لا يزال محدودًا للغاية، باعتبار أن البنية التكنولوجية في الوسائل الإعلامية الفلسطينية ما زالت ضعيفة، وعجزها عن مجاراة التقنيات المتطورة بشكلٍ متسارعٍ.
واستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة الفلسطينية، يواجه ضعفًا في التمويل والبرامج التأهيلية والتدريبية والبرمجية والتقنية وتوظيف الأدوات على نحو مناسب، كما يوضح حرب.
ويلفت إلى أن عجز أدوات الذكاء الاصطناعي عن أنسنة المضامين وجمودها، إضافة إلى تحديّات حقوق النشر والمحتوى، وعدم دعمها اللغة العربية بالكامل، وعدم مراعاتها القيم الأخلاقية والوطنية، هي أبرز سلبيات أدوات الذكاء الاصطناعي.
التقنيات الحديثة لا تُلغِ القديمة
ولا يمكن أن تشكل أدوات الذكاء الاصطناعي تهديدًا لمهنة الصحفيين، لأنه أي تقنيةٍ حديثة لم تلغ ما قبلها في عالم الصحافة وذلك عبر التاريخ، كما قال الأستاذ الجامعي، والذي نوه إلى أن الابتكار الإنساني لديه القدرة على التميز والتوفق على الآلة مهما بلغت من إبداع، إلا أنها تلك الأدوات الحديثة ستعمل على تطوير مهارات الصحفيين والإعلاميين ما يحدث ثورة صحفية.
وحذّر "حرب" الصحفيين من سهولة الوصول للمعلوماتِ في أدوات الذكاء الاصطناعي والاعتماد عليها كليًا، لأنها ستنتجُ موادَ متشابهة لكل الصحفيين، ولا سيما حول الصحافة الاستقصائية التي تحتاجُ إلى إبداعٍ كبير.
وحول تطوير الذكاء الاصطناعي الصحفي، طالب "حرب" بتوفير الإمكانيات اللازم لبنية تكنولوجية متطورة قادرة على مجاراة التقنيات الحديثـة، وإضافة مساق "الذكاء الاصطناعي" بالجامعاتِ الفلسطينية في أقسام الصحافة، ليستطيع الصحفيون بعد ذلك الولوج لسوق العمل بكل اقتدار.
ودعا للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المرحلة القادمة، وأن تصبح أدواته جزءًا من حياتنا، لا سيما في العمل الإعلامي، وإقرار التشريعات والأنظمة وصياغة مدونة سلوك للصحفيين الفلسطينيين، وتطوير التعاون بين الصحفيين والمبرمجين والاستفادة من القدرات لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تأهيل الكوادر الصحفية في هذا المجال.
أدوات قيمة إذا ما حسنَ استغلالها
من ناحيته، قال الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي سراج الأغا إن "أدواتِ الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وBard وغيرها تعدُّ أداة قيمة للصحفيين، إذا ما تم استخدامها وتوظيفها بما يسهم في تحسين الأداء وتطويره".
لكنّه في الوقتِ ذاته، حذّر من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في استسهال العمل الصحفي وإنجازه بسرعةٍ دون مراعاةٍ أو دقةٍ، لافتًا إلى أن أكثر ما تفتقرُ إليه تلك الأدوات هو الطابع الإنساني، فهي تتعامل مع كافة الموضوعات بطريقةٍ مشابهةٍ لحدٍ كبيرٍ.
أوجه الاستفادة والسلبيات
وحول أوجه استفادة الصحفيين من أدواتِ الذكاء الاصطناعي، أوضح أنها تفيد في عمليات البحث وجمع المعلومات وتحليلها، ما يساهم في اكتشاف أنماط واتجاهات الجمهور.
وبشأن السلبيات، لفت إلى أنها تساعدُ في نشر الأخبار المزيفة إذا غابت الرقابة والإشراف البشري الدقيق، الذي يضمن محتوى صادق ذا مصداقية وجودة عالية، مطالبًا بتوخي الحذر من التحيزات الدينية والسياسية والعرقية، فهي تخضع لتوجهات الشركة وطاقم العمل الذي يزود الأدوات بالمعلومات.
واستنتج من خلال عملياتِ البحث في أدوات الذكاء الاصطناعي، أنها علاقة تكاملية تقوم على توظيف الصحفيين لأدوات الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة المختلفة، بما يخدم المهنة ويحُسن جودة المحتوى الصحفي والإخباري.
ودعا إلى عدم ترك الفرصة لهذه الأدوات لتستحوذ على الوظائف الصحفية، لأنه العنصر البشري هو من سيبقى المُغذي الرئيسي لهذه الأدوات والمتحكم بمخرجاتها، فاستخدام كافة أدوات الذكاء الاصطناعي لا يغني عن وجود الصحفي الإنسان.
هل تهدّدُ مهنة الصحافة؟
وحول تهديد أدوات الذكاء الاصطناعي لمهنة الصحافة، رأى أن تلك الأدوات لا تمثل تهديدًا حتى اللحظة لمستقبل الصحفيين لوجود العديد من أوجه القصور فيها، إلا أنّ الصحفي باستطاعته توظيف كافة التقنيات والأدوات الحديثة من أجل تحسين وتطوير المنتج الصحفي.
وعن معوّقات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار في الإعلام الفلسطيني، قال إنّ تلك الأدوات تتطلبُ تغييرات شاملة في غرف الأخبار وهذا يتطلبُ وقتًا وجهدًا وتكلفة مادية باهظة، إضافة إلى أنه من الصعب أن تفهم تلك الأدوات تعقيدات القضايا الفلسطينية كونها متغيرة بفعل الاختلاف المكاني والزماني للأحداثِ.
وعطفًا على السابقِ، فإن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي مغذية بالمعلومات حتى عام 2021 فقط مثل Chatgpt، إضافةً إلى أن تحويل غرف الأخبار الفلسطينية لغرف أدوات ذكاءٍ اصطناعي يحتاجُ لخططٍ واستراتيجياتٍ إعلامية.
وبيّن الأغا إلى أنه يعكفُ على إصدار دراسة حول الذكاء الاصطناعي بعنوان "استخدام الصحفيين الفلسطينيين لروبوت دردشة الذكاء الاصطناعي ChatGPT وانعكاسه على أدائهم" وهي دراسة ميدانية وتعد باكورة الدراسات العربية –حسب قوله- تتناول دوافع ومجالات الاستخدام ومدى ثقة الصحفيين الفلسطينيين بالمحتوى المقدم من روبوت الدردشة، بالإضافة الى مدى تلبية روبوت الدردشة لاحتياجات الصحفيين الفلسطينيين، وانعكاس هذا الاستخدام على الإداء المهني للصحفيين.
ويبقى تهديد أدوات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالصحفيين محدودًا إلى حدٍّ ما، نظرا لوجود العديد من السلبياتِ التي ذكرها المختصون سابقًا، وسط دعواتٍ لتوظيفها بما يخدم إبداع الصحافةِ وتوفير الوقت والجهد، دون الاعتماد عليها كليًا.