كثيراً ما نتعرض للإصابة بالصداع الذي يُزعجنا بشكل بالغ ويجعلنا غير قادرين على ممارسة حياتنا اليومية بشكل طبيعي. ويحاول الأطباء تقسيم الصداع إلى فئات مختلفة، والفئتان الرئيسيتان هما الصداع الأولي والصداع الثانوي؛ فالصداع الأولي، هو الصداع الذي ليس له سبب طبي آخر، ويُعد الصداع النصفي والصداع الناتج عن التوتر هما أمثلة على هذا الصداع. أما الصداع الثانوي فله سبب طبي أساسي آخر. وعلى الرغم من أن الصداع الأولي يمكن أن يكون منهكاً للغاية ويؤثر على نوعية الحياة، إلا أنه عادة لا يكون خطيراً.
ومع ذلك، يمكن أن يكون الصداع الثانوي خطيراً للغاية، وغالباً ما تختلف إدارة المرض بشكل كبير.
تشريح الدماغ
من أجل فهم ارتفاع الضغط وصداع الضغط المنخفض، يجب فهم التشريح الأساسي للدماغ.
الجمجمة هي في الأساس صندوق محكم لا يتمتع بأي مرونة، ويوجد داخل الجمجمة الدماغ والحبل الشوكي الذي يخرج من الأسفل.
يُغطى الدماغ بكيس ليفي كثيف جداً يُسمى السحايا، ويوجد داخل هذا الكيس (السحايا) سائل شفاف عديم اللون يسمى السائل الشوكي الدماغي (CSF)، ويتكوّن السائل الدماغي الشوكي لدينا في وسط الدماغ، في منطقة تسمى البطينين، بواسطة الضفيرة المشيمية.
لدينا حوالي 150 مل من السائل الدماغي الشوكي تطفو حول الدماغ والحبل الشوكي، وتنتج الضفيرة المشيمية حوالي نصف لتر في اليوم، لدينا أيضاً نظام امتصاص، يتضمن الحبيبات الصغيرة في الجزء العلوي من الدماغ.
يزن دماغنا حوالي كيلوغراماً ويطفو في السائل الدماغي الشوكي، الذي يؤدي وظيفة مهمة، فإذا ركزنا على الدماغ نفسه وقمنا بقلبه رأساً على عقب، فسنجد أن هناك الكثير من الهياكل المهمة.
في الجزء السفلي من الدماغ توجد الأوعية والأعصاب، وإذا لم يكن لدينا السائل، ولم يكن الدماغ يطفو، فيمكن ضغط كل هذه الهياكل، والدماغ نفسه لا يشعر بأي ألم، لكن السحايا التي تغطي الدماغ والأعصاب والأوعية حساسة جداً.
الصداع الناتج عن الضغط المنخفض
يحدث صداع الضغط المنخفض عندما لا يكون هناك ما يكفي من السائل الدماغي الشوكي، ولا يوجد ما يكفي من الطفو لإبقاء الدماغ عائماً، ويحدث هذا عادةً عندما يتم فقدان السائل الدماغي النخاعي بشكل أسرع من إمكانية استبداله.
فيما يتعلق بالأعراض، فإن الأعراض الكلاسيكية التي تعانين منها هي: الصداع الذي يكون أسوأ بكثير عند الجلوس أو الوقوف بدلاً من الاستلقاء.
يمكن أن تسبب الهياكل الحساسة الموجودة في الجزء السفلي من الدماغ أعراضاً مختلفة حيث تخرج هذه الأعصاب إلى العين والأذن، ومع انخفاض مستويات السائل الشوكي الدماغي، يمكن أن يعاني الأشخاص من الرؤية المزدوجة، وكذلك الدوخة، وطنين الأذن. في المواقف الشديدة للغاية، وقد يحدث ارتباك أو انخفاض في حالة الوعي أو احتمال حدوث غيبوبة.
أسباب الصداع الناتج عن الضغط المنخفض
هناك عدد من الأسباب المختلفة التي يمكن أن تؤدي إلى صداع الضغط المنخفض.
الصدمة في الجمجمة هي أحد الأسباب المحتملة لهذا النوع من الصداع، ويؤدي الكسر في العظم أيضاً إلى تمزيق الكيس الذي يحافظ على السائل في مكانه، كما يمكن للمرضى الذين يعانون من صداع الضغط المنخفض أن يشعروا بسائل شوكي شفاف يخرج من أذنهم أو من أنوفهم.
في بعض الأحيان، من أجل تشخيص حالات عصبية معينة، تكون هناك حاجة إلى عينة من السائل الشوكي. ويتم جمع هذه العينة عن طريق حقن إبرة بين النتوءات الشائكة في الظهر. يُحدث هذا الحقن ثقباً صغيراً، وهناك احتمال ألا يُغلق الثقب. عندما لا يغلق الثقب نفسه، يمكن أن يتسرب السائل(لكنه نادر نسبياً). ويستخدم الأطباء إبرة صغيرة في هذا الإجراء.
السبب الآخر قد يحدث من فوق الجافية، وهي منطقة في الدماغ تستخدمها العديد من النساء لإدارة الألم أثناء المخاض، وفكرة التخدير فوق الجافية هي أنها تقترب جداً من الجافية والسائل الشوكي، لكنها لا تعبر تلك المنطقة.
أطباء التخدير هم محترفون مدربون يقومون بهذا الإجراء بانتظام، ولكن في بعض الأحيان قد يذهبون بعيداً قليلاً ويثقبون الجافية، ولديهم إبرة ذات تجويف أكبر بكثير، لذا تُسبب ثقباً أكبر، وغالباً ما يعاني الناس من صداع مزعج.
هناك سبب آخر أقل شيوعاً للصداع الناتج عن ضغط الدم المنخفض، وهو يحدث للأشخاص الذين يصابون بالتسرب التلقائي، الذي يحدث من تمزق في السحايا في العمود الفقري، ويمكن أن يكون هذا النوع من الصداع مفاجئاً جداً في البداية، ولكنه قد يكون أيضاً بداية تدريجية، حيث تتغير شدّة الألم مع تحريك الجسم.
هناك العديد من النظريات المختلفة حول أسباب تسرب السائل الدماغي الشوكي التلقائي، ويعتقد بعض الأطباء أنه يمكن أن يكون نتيجة قرص صغير (غضروف) في العمود الفقري يخرج ويلحق الضرر بالجافية. ومن المثير للاهتمام أن حوالي ثلثي الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من المشاكل لديهم نسيج ضام غير طبيعي. والنسيج الضام هو النسيج الذي يجمع كل شيء معاً، وهو البنية بين الجلد والدهون والعضلات والعظام.
ويعاني بعض الأشخاص من فرط الحركة أو مرونة المفاصل بشكل غير طبيعي، والذي عادة ما يكون بسبب اختلاف في النسيج الضام، وبالتالي فإن الأشخاص الذين يعانون من نسيج ضام غير طبيعي أو فرط الحركة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من التمزقات.
الصداع الناتج عن الضغط المرتفع
فيما يتعلق بأسباب الصداع الناتج عن ارتفاع الضغط، يمكن أن يكون هناك الكثير من السائل الدماغي الشوكي، وهو ما يسمى استسقاء الدماغ.
السوائل الزائدة قد تكون ناجمة عن انسداد السائل الذي يتدفق إلى الحبل الشوكي، كما يمكن أن يحدث هذا بعد الإصابة، وقد يكون بسبب خلل خلقي يولد به شخص ما.
يمكن أن تتأثر إعادة امتصاص السائل الدماغي الشوكي بعدة عوامل، إذ قد تسبب الالتهابات مثل التهاب السحايا، صداعاً عالي الضغط، ويمكن أن يؤثر النزيف في الدماغ أيضاً على إعادة امتصاص السائل.
في هذه السيناريوهات، قد يكون إنتاج السائل الدماغي الشوكي طبيعياً وصحياً، لكن الدماغ غير قادر على امتصاصه للحفاظ على التوازن.
سبب آخر يمكن أن يكون جلطة دموية في الوريد، تأخذ الشرايين الدم المؤكسج من القلب وتوصله إلى الدماغ ثم تقوم الأوردة بتصريف هذا السائل، وتساعد الأوردة على امتصاص السائل الشوكي وإزالته.
وتماماً مثل تجلط الأوردة العميقة في الساق، يمكن أن يصاب الأشخاص أيضاً بجلطات دموية في أوردة الدماغ، وهذه الجلطات أكثر شيوعاً عند النساء بعد الولادة أو المدخنات أو اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل الهرمونية. كما أنها أكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين يعانون من سرطان نشط.
هناك موقف آخر يمكن أن يحدث عندما يكون هناك ضغط مرتفع ولكن لا يوجد فائض في السائل النخاعي، ويشار إلى هذه الحالة باسم ارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة مجهول السبب (IIH)، وهي حالة صحية تصيب في كثير من الأحيان عند النساء الأصغر سناً وعادة ما يكون أكثر شيوعاً عند النساء ذوات الوزن الزائد.
غالباً ما تكون أعراض IIH صداع وتغييرات بصرية بسبب ارتفاع الضغط، ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى رنين نابض في الأذنين، ويجب تشخيص IIH لأنه إذا تُرك دون علاج، فإنه يمكن أن يسبب فقدان البصر الدائم.
لا يزال سبب حدوث IIH غير مفهوم تماماً، ويمكن أن يساعد فقدان الوزن في إدارة الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، وهناك أدوية يمكن استخدامها لخفض ضغط السائل النخاعي، وإذا لزم الأمر يمكن إدخال تحويلة جراحياً للمساعدة في تقليل الضغط.
يمكن أيضاً أن تؤدي المشكلات الصحية التي تتعلق بالدماغ مثل الورم أو السكتة الدماغية أو النزيف أو الالتهاب إلى الصداع والأعراض المرتبطة به مثل ارتفاع الضغط، ولهذا السبب من المهم إذا تعرض شخص ما لصداع جديد، أن يتم إجراء تصوير للدماغ (عادةً التصوير بالرنين المغناطيسي).