بقلم: عبد الله أمين - الخبير الأمني والاستراتيجي
أولاً: مقدمة:
بعد مضي أربعة أيام على بدء معركة " طوفان الأقصى " ووصول قوات المقاومة إلى أقصى نقطة تطور في هذا المعركة، وبدء العدو في استعادة توازنه، وسيطرته الجزئية على الموقف، وشنه حملة تدمير جوية ممنهجة على كل ما لديه من أهداف للمقاومة في بنك أهدافه، وما تملكه المقاومة وحاضنتها الشعبية من بنى تحتية، وبعد بدء العدو بعمليات الحشد وتجميع القوات، ومن ثم نشرها على غلاف غزة، وبعد إعلانه أنه عاد وسيطر على كامل الجغرافيات التي دخلتها المقاومة؛ من مغتصبات ومقار عسكرية، وبعد الهدوء النسبي الذي تشهده مؤخرة قوات المقاومة، بحيث قلت إلى حد ملحوظ الرشقات المدفعية والصاروخية من أراضي القطاع، بعد كل هذه الملاحظات، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:
هل نحن أمام مشهد لاجتياح القطاع من قبل العدو الإسرائيلي؟ يأتي هذا التقدير ليجيب على هذا التساؤل.
ثانياً: مبررات الاجتياح أو العمل البري ودوافعه:
ترميم الصورة المهشمة للكيان المؤقت وجيشه.
ترميم خط الدفاع الأول للعدو شرق قطاع غزة.
إعادة تأمين المغتصبات في غلاف غزة.
تدمير عيون الأنفاق وممراتها الممتدة من داخل القطاع إلى داخل الأرضي المحتلة.
استكمال تدمير خطوط الدفاع الأولى للمقاومة على الحافة الأمامية للمناطق السكنة في شرق قطاع غزة.
ممارسة ضغط على قيادة المقاومة، وامتلاك أوراق تفاوض جغرافية يمكن استخدامها في المفاوضات غير المباشرة التي ستتم مع المقاومة لاحقاً.
تكبيد المقاومة وبيئتها مزيداً من الخسائر في الأرواح والممتلكات.
تدمير ما يمكن من أصول مادية للمقاومة ـ ورش عمل، معسكرات، غرف قيادة ميدانيةـ في مناطق عمل القوات المعادية المتقدمة.
ثالثاً: السيناريوهات المتوقعة:
السيناريو الأول: اجتياح كامل للقطاع وإعادة احتلاله:
فكرة المناورة:
القيام بدفع قوات قتالية مصحوبة بغطاء جوي وقصف مدفعي كثيف، يسكت نيران المقاومة، والدخول في عمليات تمشيط وقتال مدن، من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت، في المدن الرئيسية في قطاع غزة.
الهدف الرئيسي للمناورة:
القضاء النهائي على قدرات المقاومة ـ البشرية والمادية ـ بمختلف فصائلها، والحاق هزيمة كاملة العيار بها، ثم البحث عن تسليم الجغرافيا إلى من يمكن أن يتحمل مسؤولية هذا المنطقة، بدءاً بسلطة الحكم الذاتي، وانتهاءً بمصر، أو وضعها تحت إدارة دولية ممثلة بالأمم المتحدة، عن طريق نشر قوات حفظ (سلام) في المناطق المحتلة، بعد إسقاط حكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة.
إمكانية التنفيذ:
هناك صعوبة كبيرة جداً في تنفيذ هذه المناورة، كونها مرتبطة بعدة اعتبارات تعبوية متعلقة بعدم قدرة العدو على حشد وتعبئة قدرات قتالية قادرة على تنفيذ هذه المهمة، وعدم معرفة العدو برد فعل حلفاء المقاومة الخارجين ـ محور المقاومة ـ عدم مناسبة الظرف الدولي الحالي لتنفيذ مثل هذا السيناريو، فضلاً عن عدم توفر من يتحمل مسؤولية هذا الجغرافيا في حال إعادة احتلالها، إلا أن الأهم من كل ما ذكر ؛ عدم تيقن المحتل من أن مثل هذا السيناريو الذي سيرافقه خسائر بشرية في صفوف جنوده وجبهته الداخلية، قادر ـ السيناريو ـ على القضاء النهائي على المقاومة في غزة خصوصاً، وفي الضفة عموماً.
الترجيح:
وعليه لا نعتقد أن هذا السيناريو مرجح للتنفيذ أو الإجراء.
السيناريو الثاني: تقطيع القطاع إلى ثلاث مناطق عمليات:
فكرة المناورة:
قيام العدو بدفع تشكيلات عسكرية على محاور من ثلاثة مناطق من غلاف غزة، شمالاً وشرقاً وجنوباً بهدف تقطيعه إلى ثلاث مناطق عمليات، على النحو الآتي:
- منطقة العمليات الشمالية، وتشمل محاور القتال الآتية:
زكيم دوغيت العطاطرة السودانية.
سدروت شرق بيت حانون، شرق جباليا تل الزعتر
المنطار شمال شرق التفاح جبل الريس.
كارني جنوب مدينة غزة نتساريم ساحل غزة.
- منطقة العمليات الوسطى، وتشمل محاور القتال الآتية:
كارني المغراقة.
معبر كيسوفيم مفرق الشهداء.
- منطقة العمليات الجنوبية وتشمل محاور القتال الآتية:
معبر صوفا النجار الشوكة
كرم أبو سالم معبر رفح.
يمكن لهذه القوات العاملة على هذا المحور أن تنفتح لتشكل تهديد على خزاعة وعبسان، وصولاً إلى خان يونس.
الهدف الرئيسي:
المناورة داخل قطاع غزة، وحشد قدرات هجومية قادرة على الضغط على مدن ومخيمات القطاع، ومنع الحركة بين مدن الشمال والوسط والجنوب، لتأمين الإسناد والدعم المتبادل بين فصائل المقاومة بمختلف أجنحتها العاملة في هذه الجغرافيات، في مناورة الغاية منها التموضع ضمن موقف قتالي مناسب للعدو، يمكنه من جني مكاسب سياسية في المفاوضات اللاحقة، مع ما سيصاحب هذه المناورة من خسائر بشرية ومادية في صفوف المقاومة وحاضنتها الشعبية.
إمكانية التنفيذ:
يملك العدو من القدرات القتالية التي تمكنه من تنفيذ هذه المناورة، مع تحمل ما يمكن أن ينجم عنها من خسائر أثناء تنفيذها، وصولاً إلى تموضع القوات في الأماكن النهائية المتصورة لها. والشرط الرئيسي لنجاح هذه المناورة؛ توفر غطاء جوي ومدفعي لتحرك القوات، وتأمين بقائها في مواضعها عند التثبيت، وضمان بقاء خطوط إمدادها مفتوحة على مؤخراتها في عمق أراضينا المحتلة في فلسطين.
الترجيح:
يتمتع هذا السيناريو بأرجحية متوسطة للتنفيذ.
السيناريو الثالث: تقدم بري محدود:
فكرة المناورة:
تقوم فكرة هذه المنارة على الدفع بقوات قادرة على تخطي السياج الشائك، والتموضع غربه، مع تشكيل جهاز دفاعي معادي معتبر، وتمتعه ـ الجهاز الدفاعي ـ بغطاء جوي ومدفعي يوفر مستوى أمن مقبول للقوات المنفتحة هناك، ثم بدء سلاح هندسة العدو بترميم ما تضرر من السياج الشائك، وعودة الموقف والقوات إلى مواضعها التي كانت عليها قبل بدء المعركة في 07 10 2023. مع محافظة القوات على حرية عمل تمكنها من الاشتباك مع أي هدف أو تهديد يمكن أن تتعرض له أثناء هذه العملية.
الهدف الرئيسي للمناورة:
ترميم السياج المتضرر من العمليات الحالية، وإعادته إلى الحالة التي كان عليها قبل المعركة، وعودة القوات إلى مواضعها السابقة، مشكلة جهاز دفاعي قوي قادر على صد أي هجوم للمقاومة، ومالكاً ـ العدو ـ قدرات هجومية تمكنه من تهديد قطاع غزة، للضغط على المقاومة تعبوياً وسياسياً.
إمكانية التنفيذ:
لقد قام العدو بحشد قدرات قتالية، ونشرها في منطقة العمليات، مؤمناً لها غطاء جوي ومدفعي تمكنه من القيام بهذا المناورة وتحقيق أهدافها، مع ما يمكن أن يرافق التنفيذ من خسائر بشرية أو مادية في صفوف قواته أثناء التنفيذ.
الترجيح:
نعتقد أن هذا السيناريو يملك حظوظ في التنفيذ أكثر مما سبقه من السيناريوهات، بشرط أن تترك له ـ للعدو ـ المقاومة هامشاً للمناورة والعمل لتنفيذ هذا الهدف، مع كم مقبول ومحتمل من الإزعاج الناري من قبلها ـ قبل المقاومة ـ.
رابعاً: التقدير:
نعتقد أن العدو لن يقوم باجتياح بري شامل للقطاع، وإنما سيقوم بتنفيذ السيناريو الثالث، وفي أسوء الأحوال؛ قد يلجأ إلى تنفيذ السيناريو الثاني. الأمر الذي يتطلب من قوات المقاومة العمل على:
ضرب مناطق حشد العدو قبل تشكلها وتموضعه فيها.
تسليح الأرض والمحاور المفترضة لتقدم العدو.
تفخيخ ما يمكن تفخيخه من إمكانات ووسائل متوفرة في الأهداف الأرضية التي يسعى العدو للوصول لها.
الإتمام المسبق لإجراءات التنسيق اللازمة بين مختلف مناطق عمليات المقاومة، لتأمين الإسناد والدفاع المتقابل فيما بينها.
عرقلة وصول القدرات القتالية القادمة من عمق أراضينا المحتلة في الضفة الغربية والثمانية والأربعين، عبر اعتراض طرقها بشتى الوسائل والسبل من قبل مواطنينا وسكان مدننا وقرانا.
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.