وقف أحمد أبو سلطح وسط قاعة كبيرة برفقة أشقائه، في مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، يتلقون التعازي باستشهاد زوج شقيقتهم عميد عكاشة وأبنائه الثلاثة في قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلهم في قطاع غزة، قبل عدة أيام.
ورغم أن القصف الذي أدى إلى وقوع مجزرة راح ضحيتها ما لا يقل عن 100 شهيد، واستهدفت مربعا سكنيا في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، نجت منه وبأعجوبة شقيقتهم سماح وبعض قريباتها، لكنها أصيبت بجروح خطيرة، وترقد اليوم في المستشفى.
يقول أبو سلطح: "منذ بداية العدوان وقلوبنا تغلي على أختي وعائلتها، ومع استهداف الاحتلال منطقة سكنهم في شمال قطاع غزة، انتقلوا إلى مكان آخر، ومنه إلى موقع ثالث أسوة بغالبية أبناء غزة، على أمل أن يكون أكثر أمنا، لكنهم لم يكونوا يعلمون أن موتهم سيكون هناك".
"ومع ضعف الاتصالات وانقطاعها لاحقا، سلمنا أمرنا لله، حتى استطعنا قبل قصف جباليا بساعتين أن نتحدث إليها، وكان الاتصال الأخير، قبل أن تسوي طائرات الاحتلال المنطقة برمتها كومةً من الأنقاض"، يتابع أبو سلطح وهو يغالب نفسه من شدة الألم.
ومع ذلك، كان هناك أمل يحذو أحمد وعائلته أن يصلوا إلى طرف خيط يطمئنهم على أختهم الوحيدة، وهو ما تحقق بعد يومين حينما تمكنوا من الحديث إلى جارة لهم، كانت شقيقتهم قد أرسلت رقمها احتياطا، ليأتي الخبر الصاعق أن الزوج والأطفال الثلاثة استشهدوا، فيما أصيبت الأخت ونقلت إلى المستشفى.
ويحاول أحمد جاهدا أن ينسق لنقل شقيقته للعلاج في مصر، وفي حال تمكنوا من ذلك، فسيسافر هو إلى هناك ويلتقي بها.
يقول أحمد: "هذه قصة واحدة من آلاف القصص المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ نكبته مع الاحتلال، ولكن علينا أن نسأل أين هم من كانوا يتغنون بحقوق الإنسان والقوانين والمعاهدات الدولية! أين هم من مسلسل الموت الذي لا يتوقف في غزة! يكفي صمتا وخنوعا".
وفي مخيم بلاطة كذلك، فقدت عائلة الصحافي أمين أبو وردة 23 شخصاً من أقاربها الذين يقطنون في غزة، في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحقهم.
يقول أبو وردة لـ"العربي الجديد": "إن المجزرة وقعت بحق أقاربه ظهيرة يوم الـ24 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حينما أغارت طائرات الاحتلال على منازل المدنيين في قرية النزلة الواقعة في جباليا شمال مدينة غزة، فقتلت العشرات وجرحت المئات، ومسحت مربعا سكنيا بأكمله".
ويشير أبو وردة إلى أن معظم العائلات الفلسطينية، خاصة اللاجئين منهم، لهم امتدادات في كافة أنحاء فلسطين، فهناك من لجأ بعد نكبة عام 1948 إلى الضفة الغربية ومن لجأ من العائلة ذاتها إلى غزة، ومنهم من هو في الخارج اليوم، لذلك فمن البديهي أن تجد لكل العائلات امتدادات وأقارب هنا وهناك.
ويلفت أبو وردة إلى أن عائلته فتحت بيتا لاستقبال المعزين، وكذلك فعلت معظم الأسر التي فقدت أقارب لها في غزة، وقال: "هذا أقل القليل، في ظل استمرار مجازر الاحتلال بحق أهلنا في غزة".
ويتابع أبو وردة:" إذا كنّا نفتح بيت العزاء قبل الحرب حال وفاة أحد الأقارب في غزة بمرض أو ما شابه، فكيف الوضع اليوم؟ لا شك أن هذا أحد أشكال التضامن والشعور تجاه أقاربنا أولا وأبناء شعبنا الذين يتعرضون لإبادة جماعية في قطاع غزة".
وفي قرية عورتا جنوب نابلس، فجعت عائلة لولح باستشهاد سبعة من أقاربها وعائلة نسيبها في قصف الاحتلال الصاروخي على منازلهم في مدينة خانيونس في قطاع غزة.
يقول الحاج عبد الله لولح للعربي الجديد: "إنهم فجعوا بارتقاء ابن عمه الشهيد إبراهيم لولح، وعائلته المكونة من زوجته هناء حسين الأسطل، والأبناء علاء ورضوان ومحمد، وكذلك ابنتهم نور وزوجها وعائلته، وعددهم تسعة".
يؤكد لولح: "كغيرنا من أبناء فلسطين لنا أقارب في كل مكان، حيث يعيش ابن عمي إبراهيم هناك منذ أكثر من ثلاثين عاما، درس وتزوج وأنجب، وخلال السنوات الأخيرة، تمكن برفقة عائلته من زيارة الضفة الغربية لأيام قليلة، حيث تعرفنا على زوجته وأبنائه، وفرحنا بلم الشمل، وكان هناك وعود بأن يكررها في الصيف القادم، لكن الاحتلال حول هذا الحلم إلى كابوس وقتلهم جميعا".