لم تخرج هيئة الإذاعة البريطانية من دائرة الجدل، منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. بداية اتهمها الاحتلال بالانحياز إلى الفلسطينيين بسبب رفض توصيف حركة حماس بـ"الإرهابية". لكن الغضب الإسرائيلي من الهيئة لم يطل، إذ تدريجياً بدأت تغطية BBC بالتماهي مع رواية الاحتلال، وصولاً إلى قمة هذا الاندماج قبل أيام، عندما رافقت مراسلة الهيئة لوسي ويليامسون جيش الاحتلال إلى داخل مستشفى الشفاء في غزة، غداة اقتحامه "لمشاهدة ما تقول إسرائيل إنها عثرت عليه حتى الآن خلال عمليات تفتيش تجريها داخل مجمع الشفاء الطبي في غزة" وفق "بي بي سي".
وعرض جيش الاحتلال على ويليامسون، ما قالت إنه "بنادق وذخائر ودروع واقية يقول الجيش إن حماس كانت خبأتها داخل المستشفى". وبحسب ما أوضحته الهيئة البريطانية، فإن زيارتها "خضعت لرقابة شديدة، ولم يُسمح للصحافيين بالحديث مع أطباء أو مرضى داخل المستشفى،، بيد أنه لم تُفرض أي رقابة على الكلمات المستخدمة لوصف ما حدث خلال الزيارة.
بهذه المباشرة وهذا الوضوح، يدخل فريق صحافي مع جيش احتلال إلى مستشفى، بعد أيام من تعرض هذا المرفق الطبي إلى التهديد، والقصف في محيطه، في ما وصفته منظمات عالمية بـ"تصرف يرتقي إلى جريمة حرب"، لتندمج تصرفات الاحتلال وروايته مع العمل الصحافي، فيكاد الفريقان يصبحان فريقاً واحداً، في وقت كان القصف والمجازر متواصلين في المناطق المحيطة بالمستشفى وباقي مناطق قطاع غزة.
لكن دخول لوسي ويليامسون إلى أكبر مستشفيات القطاع ليس مفاجئاً (وإن كان مذهلاً في وقاحته)، إذا ما تتبعنا تعامل BBC مع العدوان على غزة منذ اليوم الأول. فبعد أيام من عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوقفت الخدمة العربي لـ"بي بي سي" 6 من موظفيها بتهمة متنوعة تتمحور أبرزها حول "التعاطف مع طوفان الأقصى"، ويتواصل حتى التحقيق مع هؤلاء، في انتظار إبلاغهم في الأيام المقبلة بمصير كل واحد منهم.
وترافق ذلك مع انحياز واضح في تغطية الهيئة للعدوان الوحشي على القطاع. هذا الانحياز، أكده موظفون اتهموا الإدارة بالتساهل الشديد مع إسرائيل و"تجريد" المدنيين الفلسطينيين من إنسانيتهم، وهو ما أدى إلى أخذ الكثيرين منهم إجازات من العمل أو حتى البكاء في المكاتب، بحسب صحيفة ذا تايمز البريطانية. وقد أثيرت هذه المخاوف من قبل كبار المحررين في اجتماع هذا الأسبوع، وتم إرسال بريد إلكتروني محوره أنّ "بي بي سي تعامل حياة الإسرائيليين على أنها أفضل من حياة الفلسطينيين" إلى المدير العام تيم ديفي. وجاء في الرسالة: "تستخدم كلمات مثل مذبحة ومجزرة وفظائع للإشارة إلى تصرفات حماس، ولكنها نادراً ما تستخدم للإشارة إلى أفعال إسرائيل. ألا يثير هذا مسألة التواطؤ المحتمل لهيئة الإذاعة البريطانية في التحريض والتجريد من الإنسانية والدعاية للحرب؟".
بالتزامن قدّم صحافيان عربيان استقالتيهما من الشبكة، وهما الصحافي اللبناني إبراهيم شمص، ومراسل شمال أفريقيا التونسي بسام بونني احتجاجاً على هذا الانحياز.
والشهر الماضي، أعلنت منظمة Palestine Action المؤيدة للفلسطينيين مسؤوليتها عن رش مبنى المؤسسة في لندن بالطلاء الأحمر، احتجاجاً على تغطيتها. وكتبت المنظمة على "إكس" (تويتر سابقاً): "إن نشر أكاذيب الاحتلال وتلفيق الموافقة على جرائم الحرب الإسرائيلية يعني أن أيديكم ملطخة بالدماء الفلسطينية".