أظهر التقييم السريع للعواقب الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على غزة آثاراً مدمرة، لا على القطاع المحاصر وحده، وإنما أيضاً على الضفة الغربية ومن يقطنها من الفلسطينيين، حيث أغلقت المحال، وتعطلت الأعمال، وتوقف الاقتصاد، قبل أسابيع قليلة من موسم العطلات الذي يتزامن مع عيد الميلاد المجيد، والذي يحظى بأهمية خاصة لسكان المنطقة.
وقبل نحو أسبوعين، قالت الأمم المتحدة إن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة تتجاوز 4% في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الشهر الأول من الحرب، ما أدى إلى سقوط أكثر من 400 ألف شخص في براثن الفقر، وهو تأثير اقتصادي لم يسبق له مثيل في الصراعات في سورية وأوكرانيا، أو أي مواجهات سابقة بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.
ومنذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، جرى إغلاق العديد من "بيوت الضيافة" الفلسطينية في بيت لحم، التي يتم تأجيرها للسياح الراغبين في الاحتفال بالأعياد في مهد ميلاد المسيح، وينتفع أصحابها بالإيجار الذي يحصلون عليه في إعالة أسرهم، ومنها العديد من المنازل الواقعة في الشوارع التجارية في المدينة القديمة.
ووفقاً للمعتقدات المسيحية، فإن مدينة بيت لحم المقدسة هي مسقط رأس السيد المسيح، وتجذب أكثر من مليون سائح كل عام، خاصة خلال الفترة التي تسبق احتفالات عيد الميلاد المجيد.
لكن فعاليات العام الحالي جرى إلغاؤها بسبب الحرب، حيث تقرر أن تقام الشعائر والصلوات الدينية، دون أن تنعم المدينة بأجواء الاحتفالات وأضوائها.
وأعلنت السلطات المحلية الأسبوع الماضي أنها تقوم بتفكيك أشجار عيد الميلاد والزينة التي جرى تركيبها منذ سنوات عدة، بما في ذلك الأشجار الموجودة في ساحة المهد بقلب المدينة، حيث تقام عادة بعض أكبر الاحتفالات.
ومنذ الحرب على غزة، فرّ السياح، وأدت القيود المكثفة إلى توقف الأعمال التجارية في المنطقة. وقبل أقل من شهرين على عيد الميلاد، أغلقت المتاجر أبوابها فأصبحت الشوارع هادئة وخالية. وأكدت المحال المفتوحة أنها تكافح من أجل البقاء بسبب نقص الزوار.
وقال خليل صلاحات، صاحب متجر الهدايا التذكارية في الكهف القديم، لبعض وسائل الإعلام إن الشركات التي تعتمد بشكل كبير على السياحة، مثل شركته، تحقق معظم إيراداتها خلال فترة الأعياد.
وأكد صلاحات لشبكة CNA الإخبارية أن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني يعد الموسم الذي يسبق عيد الميلاد، حيث يأتي المسيحيون إلى بيت لحم، مشيراً إلى أن "ذلك الموسم يتم الإعداد له طيلة الشهرين السابقين، لكن ليس لدينا اليوم سياح"، وهو ما اعتبره يضر بأعمالهم، بل بحياتهم.
وقال مرشدون سياحيون فلسطينيون إن صناعتهم تعاني منذ بداية احتلال الضفة الغربية عام 1967، لكن الحرب الحالية أدت إلى تفاقم المعاناة.
الأثر الاقتصادي
أثر العدوان بشكل كبير في الاقتصاد الفلسطيني، حيث حذرت الأمم المتحدة من أنه قد يعيد غزة والضفة الغربية إلى الوراء أكثر من عقد من الزمن.
وأظهر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الناتج المحلي الإجمالي للمناطق تراجع بنسبة 4.2% في الشهر الأول من العدوان الدموي.
ومن المتوقع أن يتراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 8.4%، وهي خسارة تقدر بنحو 1.7 مليار دولار أميركي، في الشهر المقبل، ما يدفع ما يقرب من نصف مليون شخص إضافي إلى الفقر. وفقد نحو 390 ألف فلسطيني وظائفهم منذ بدء الحرب، بحسب منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ويشمل ذلك الأشخاص من غزة الذين يعملون في قطاع البناء في مناطق الداخل الفلسطيني، والذين ألغيت تصاريح عملهم فور بدء عملية "طوفان الأقصى". وبحسب وكالة CNA، فقد أكد العديد من الفلسطينيين فقدانهم الأمل في المستقبل بسبب العدوان.
وفي الضفة الغربية، وجد المئات صعوبة في الوصول إلى عملهم بسبب القيود المفروضة على الحركة والطرق المغلقة وحواجز التفتيش الإضافية التي فرضتها قوات الاحتلال، والتي أثرت على الحركة اليومية للمواطنين الفلسطينيين.
وتحذر الأمم المتحدة من أن الدمار الاقتصادي سيزيد من تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل، ويجعل آفاق التعافي في الأراضي الفلسطينية صعبة وبطيئة.