أفاد صحافيون ومعلقون ومحافل إسرائيلية بأن تل أبيب باتت عينها على اجتماع باريس الثاني من أجل التوصل لصفقة تبادل الأسرى وهدنة في غزة على اعتبار أن التوصل إلى صفقة ما قبل حلول شهر رمضان هو هدف مختلف الأطراف، بما فيها الاحتلال الإسرائيلي الذي يخشى المرحلة المقبلة.
ولم يكن صدفة، حديث الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي (كابنيت الحرب) بيني غانتس مساء أمس الأربعاء، لوسائل الإعلام، عن وجود اتصالات لعقد لقاء جديد في العاصمة الفرنسية باريس، علماً بأنه يواجه ضغوطاً من قبل أهالي المحتجزين الإسرائيليين في غزة للعب دور أكبر في هذه القضية. كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن توجيه الوزير في حزبه، غادي أيزنكوت، رسالة إلى "كابنيت الحرب" حول أهمية التقدّم نحو إبرام صفقة مع حركة حماس.
وعندما سُئل غانتس من قبل متظاهرين أمام بيته اليوم، عن سبب "خوفه" من ترك الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة رد عليهم: "لست خائفاً من التوجه إلى انتخابات. سيسعدني التوجه إلى انتخابات، ولكن ليست هذه القضية. بل تجب إعادة المخطوفين الى الديار. هذا هو الأمر الأهم. وهناك إمكانيتان: إمّا أن أبقى هناك (في الحكومة) للقتال من أجل ذلك، أو أن أخرج من هناك وعندها فإن هذا لن يحدث (أي إعادة المحتجزين)"، في إشارة منه إلى تعنت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في غضون ذلك، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية عبر موقعها الإلكتروني، أن الراجح في إسرائيل أن "اجتماع باريس 2" سيعقد بمشاركة رئيس جهاز "الموساد"، ديفيد برنيع، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز.
استقبل رئيس مجلس الوزراء القطري وفدا من أعضاء الكونغرس الأميركي (وزارة الخارجية القطرية)
وعلى الرغم من إشارة القناة إلى أن إسرائيل تترقب إن كانت حماس ستبدي مرونة في موقفها، وعليه يقرر نتنياهو إن كان سيرسل وفداً إلى باريس، إلا أنها أشارت في ذات الوقت إلى قول مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم، إن إسرائيل ستشارك على ما يبدو، "لأن الوقت يُعتبر عاملاً مهماً جداً في الفترة الحالية". وأوضحت أنه مع مرور الوقت يتشكّل خطر أكبر على حياة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، كما أن "جميع الجهات تدرك أهمية الجدول الزمني وبداية شهر رمضان بعد نحو أسبوعين ونصف".
وتحاول إسرائيل دائماً شيطنة الشهر الفضيل، وتروّج لازدياد احتمالات تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية خلاله.
وبحسب القناة، تدرك جميع الأطراف وجود فرصة، تجمع بين مصالح الجميع الأمر الذي يزيد احتمالات التوصّل إلى صفقة، مشيرة إلى أنه مع اقتراب رمضان، يكون مهماً جداً بالنسبة لإسرائيل تهدئة الأوضاع وتجنب التصعيد.
العودة لتفاهمات قمة باريس بشأن غزة
في حديثه عن لقاء باريس المرتقب، كتب الكاتب والمحلل السياسي ناحوم برنيع في "يديعوت أحرونوت" اليوم الخميس، أن "المسؤولين يتحدثون عن فرصة تصل إلى 50% للتوصل إلى صفقة، ولكن استئناف المفاوضات يبدو قريباً".
واعتبر "الانتقال من القاهرة إلى باريس هو أكثر من مجرد تغيير للمكان"، وأن "الفكرة العامة هي العودة إلى التفاهمات التي تم الاتفاق عليها في باريس في بداية فبراير/شباط الجاري، والتقدّم فيها من هناك".
وأشار إلى أن "حماس ردت على التفاهمات بنقاط أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل. وعلى الجانب الإسرائيلي دارت مناقشات، وقدّر الفريق المفاوض أنه على الرغم من موقف حماس الصعب في البداية، فإنه من الممكن إحراز تقدّم، وأن جزءاً من الوزراء في مجلس الحرب، يعتقدون ذلك أيضاً، إلا أن نتنياهو استخدم الفيتو. ورفض في البداية إرسال الفريق الإسرائيلي إلى القاهرة، ثم وافق على إرسال الفريق لكنه حرمه من حق التفاوض، وأرسل معه مسؤولاً من مكتبه. كما شدد مواقفه بقضايا جوهرية".
ويرى الكاتب أن الأنباء عن احتمال استئناف المحادثات في باريس "تسمح لكل طرف بالادعاء بأنه كان على حق". وتابع برنيع "سيزعم نتنياهو أن موقفه الرافض هو الذي أدى إلى تليين موقف حماس، وأنه أصر وفاز، فيما سيدّعي آخرون أن هذا لم يحدث قط، وأن (قائد حركة حماس في قطاع غزة) يحيى السنوار، أدرك في الأسبوعين الأخيرين أن إيجابيات الصفقة تفوق مساوئها بالنسبة له. وحدثت عملية مماثلة أيضًاً بين صناع السياسة في إسرائيل"، قبل أن يخلص إلى أن "التغيير تكتيكي وهش وقابل للتغيير".
ما الذي تغير؟
استعرض الكاتب النقاط التي يعتقد أنها تغيّرت وقد تفضي إلى اجتماع باريس، "فمن جانب الوسطاء، زاد الأميركيون الضغوط على كل من قطر وإسرائيل. الأميركيون مقتنعون بأنهم من دون صفقة المختطفين الآن لن يتمكّنوا من التوصل إلى الصفقة الإقليمية الكبيرة (في إشارة الى التطبيع بين إسرائيل والسعودية)".
وأضاف برنيع "يخشى المصريون أن يؤدي استمرار القتال في شهر رمضان إلى اندلاع أعمال عنف على الحدود مع قطاع غزة ونشاطات للإخوان المسلمين في جميع أنحاء مصر. ومن جهة حماس، السنوار هو الرجل الذي يتخذ القرارات. كان الأمر كذلك طوال الوقت. التقارير التي تفيد بأن الاتصالات معه مفقودة أو أنه فر من القطاع هي من نسج خيال الصحافيين أو دعاية كاذبة من قبل المسؤولين الإسرائيليين".
وتابع الكاتب: "أوضحت حكومات الدول النفطية للسنوار وزملائه في قيادة حماس أنهم إذا لم يخففوا مواقفهم فلن يحصلوا على المزيد من المال والمأوى لهم ولعائلاتهم. ومن وجهة نظر الحركة (حماس)، فإن هذا يشكل تهديداً وجودياً. كما أن مسألة المسؤولية عن مصير السكان في غزة تكثفت عشية شهر رمضان، وربما أيضاً مسألة البقاء الشخصي لقادة التنظيم في غزة. الصفقة سوف تمنحهم شهادة التأمين"، على حد تعبيره.
وعلى الجانب الإسرائيلي، يضيف برنيع: "عزز الخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية خلال شهر رمضان المطالبة بالتهدئة. ويحتاج الجيش الإسرائيلي إلى فترة راحة، ستوظّف لإنعاش وتسريح جنود الاحتياط وتعلم دروس الحرب. والعنصر الأكثر أهمية الذي تغيّر هو الوقت. لقد عرّضت الفترة الماضية حياة المختطفين لخطر متزايد. ويقود مقترح الصفقة إلى تبادل مختطفين بأسرى، وهدنة تستمر عدة أسابيع، وتغيير في انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع".
"مؤشرات تفاؤل"
ويوم أمس الأربعاء كتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، قبل تصريحات غانتس بشأن قمّة باريس، تعقيباً على المحادثات في القاهرة، بأن "هناك مؤشرات تدفع إلى التفاؤل لأول مرة منذ عدة أسابيع لإحراز تقدّم والتوصّل إلى صفقة بين إسرائيل وحركة حماس".
واعتبر هارئيل أن المحدثات بشأن المفاوضات "تتقدم الآن في عدة نقاط أساسية" ومن بينها آلية التبادل، بمعنى عدد الأسرى الفلسطينيين الذين ستطلق إسرائيل سراحهم مقابل عدد المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة الذين سيُفرج عنهم في المرحلة الأولى، وكذلك بشأن مدة وقف إطلاق النار التي سترافق عمليات إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين على دفعات، وكذلك حجم انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة".
ويرى الكاتب أن الإدارة الأميركية تركز جهودها في محاولة للتوصل إلى صفقة قبل بداية شهر رمضان.