نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحفيين روث مايكلسون، وسفيان طه من رام الله قالا فيه٬ إن خليل كان يتجول في منزل عائلته في التلال المحيطة برام الله، وكان متوترا بعد إطلاق سراحه من السجن في اليوم السابق. كما كانت والدته مرعوبة من احتمال إعادة اعتقاله.
ويقول التقرير أن خليل – وهو الاسم المستعار- هو شاب خجول يبلغ من العمر 21 عاما، تم اعتقاله في مداهمة قبل الفجر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بسبب ولائه لحركة حماس.
ولكن عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية باب منزل عائلته، لم يخبروه عن سبب اعتقالهم له. وسُجن لمدة ستة أشهر دون تهمة، في ظروف وصفها بـ "غير المعقولة".
وقال: "الإسرائيليون يحاولون كبح جماحنا وإرهابنا باستخدام هذه الأساليب. الناس خائفون. لا توجد حرية تعبير٬ أخشى السفر إلى أي مدينة من مدن الضفة الغربية خشية أن يتم اعتقالي. ومع ذلك، يبدو الأمر وكأنهم قد يقتحمون منزلي في أي لحظة".
وتعهد المسؤولون الإسرائيليون، وأبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالقضاء على حماس بعد أن قامت بعملية السابع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويضيف التقرير، ولكن مع استمرار القوات الإسرائيلية في قصف غزة، بزعم أنها تستهدف ما تبقى من كتائب حماس، فقد اعتقلت أيضا آلاف الفلسطينيين في غارات في الضفة الغربية. والأغلبية، بحسب لجنة الأسرى الفلسطينية، ليست منحازة إلى حماس.
ورغم ذلك فإن الغارات والعدد المتزايد من هجمات المستوطنين نجحت في خلق مناخ من الخوف الذي يقوض منافسي حماس، فتح، الذين يديرون السلطة الفلسطينية الحاكمة، الأمر الذي يسلط الضوء على عجزها عن حماية الفلسطينيين ويغذي شعبية حماس بهدوء.
وقال خليل: "إن هذه الغارات تولد عدم الثقة تجاه السلطة الفلسطينية، ولكنها تولد أيضا الخوف من الهجوم من قبلهم - فهم لا يستطيعون حمايتنا، ولكن في الوقت نفسه يمكنهم مهاجمتنا أيضا"، مشيرا إلى تاريخ السلطة في اعتقال أعضاء من حماس في الضفة الغربية.
بالنسبة لخليل، فإن موجة الغارات الإسرائيلية لم تحقق سوى إثارة غضب الناس. وأشار، وهو الطالب في جامعة بيرزيت، إلى أن جميع قادة مجلس الطلبة الـ 24 تقريبا إما معتقلون أو يخشون الاعتقال. واكتسحت الكتلة التي تدعمها حماس في بيرزيت الانتخابات الطلابية السنوية في الأعوام الأخيرة، في نصر يُنظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره مؤشر نادر للتوجهات الديمقراطية في الضفة الغربية بأكملها.
وتنظر حماس إلى هذه النجاحات باعتبارها إشارة واضحة إلى الدعم الشعبي الذي تحظى به، في ظل غياب انتخابات السلطة الفلسطينية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. ولكن الخوف من الاعتقال، أو في بعض الحالات إعادة الاعتقال، كان سببا في خنق العديد من التعبيرات السياسية المفتوحة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، حيث حتى المناقشات غير الرسمية حول دعم حماس قد تعني المخاطرة بالاعتقال.
وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله ارتفاعا في دعم حماس في الأشهر التي تلت هجوم تشرين الأول/ أكتوبر، تلاه انخفاض في الأشهر الأخيرة. لكن ما بقي ثابتا هو النفور من رئيس السلطة محمود عباس، والبحث عن بدائل سياسية لحكمه.
وفي منزل بقرية المغير، حيث لا تزال الأرض المحروقة الناجمة عن هجوم للمستوطنين مرئية على الطريق والسيارات بالخارج، كان أحمد – وهو الاسم المستعار- حريصا على التنفيس عن غضبه على السلطة الفلسطينية كما كان على الجنود أو المستوطنين الإسرائيليين.
وقال بغضب وهو ينظر إلى القرية، حيث سرعان ما دوى صوت طلقات نارية في الهواء: "السلطة الفلسطينية تظهر هنا بالبنادق – لماذا لا يستخدمونها عندما يهاجم المستوطنون؟ إنهم يأتون إلى هنا فقط لجمع الضرائب من تعبنا. يأخذون كل شيء، ويعدوننا بالحماية ولا يقدمون لنا شيئا. ولكن إذا حاولت حماية نفسك، فسوف يتم اعتقالك من قبل السلطة الفلسطينية قبل الإسرائيليين".
وقال أحمد: "الحقيقة واضحة تماما: حماس تمنحنا بصيصا من الأمل. إن دعمي لحماس يتزايد باستمرار – وما تم أخذه بالقوة لا يمكن استعادته إلا بالقوة. حماس وحدها هي القادرة على الدفاع عنا ضد المستوطنين".
وقال: "نحن نتصارع مع السلطة الفلسطينية – لا نستفيد منها. من الواضح أنهم أعداؤنا… لا يوجد أي معنى لوجودها"، مضيفا أن السلطة "كثفت" حملتها على أنصار حماس في الأشهر الأخيرة، بحثا عن الأسلحة والقبض على والده.
وأضاف: "الناس خائفون للغاية من مجرد رفع لافتة. أنت لا تجرؤ حتى على ذكر حماس، فحتى إطلاق اللحية يعد جناية. ولكن بينما يحاولون إبعاد الناس عن حماس، فإن الدعم لها يتزايد".
وقد أعرب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة للسلطة، قدورة فارس، والذي يعد أحد كبار قادة فتح٬ عن قلقه من أن إخفاقاتهم الملموسة شجعت منافسيهم. وأضاف أن المغير هو المكان الذي تعتمد فيه فتح تقليديا على دعم كبير، لكنه يخشى أن تؤدي هجمات المستوطنين المتزايدة، التي يشهدها أحيانا جنود إسرائيليون أو حتى ينضموا إليها، إلى تقويض سياسة التعاون الأمني للسلطة مع إسرائيل، بل والسلطة نفسها.
وقال: "إن هذا التعاون الأمني المستمر لا يحبه غالبية الفلسطينيين. أضف إلى ذلك أن هناك الفساد وعدم وجود انتخابات مما يعني الافتقار إلى الشرعية، وهذا يزيد من الأسباب التي تجعل الناس يختارون حماس".
ووصف فارس حضوره تجمعات سياسية في رام الله، العاصمة الفعلية للسلطة الفلسطينية، حيث فوجئ بسماع مشاركين علمانيين ومسيحيين يعبرون عن دعمهم لحماس.
وقال: "لقد ارتفعت شعبية حماس في الضفة الغربية بشكل واضح"، مضيفا: "أحد أخطائنا الأساسية هو اعتقال أعضاء حماس ويجب أن يتوقف ذلك".
وكان في قلب مخاوف فارس أن القرار الذي اتخذته فتح قبل ثلاثة عقود بالدخول في مفاوضات سلام مع "إسرائيل" لم يفعل في نهاية المطاف سوى القليل لمساعدة وضع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ووصف فارس النتائج بأنها "أقل من الصفر… نحن بحاجة إلى إجراء بعض التغييرات العميقة وإعادة تقييم رسالتنا الوطنية كفتح لنظهر أننا جادون في التغيير، وربما يمنحنا الناس فرصة".
وقال: "الفلسطينيون يؤمنون الآن أكثر بأجندة حماس، وأن مقاومة الاحتلال هي الإستراتيجية الوحيدة الممكنة". لكنه أضاف: "إذا كان للشعب الفلسطيني دولته الخاصة وشعرنا بالحرية، أعتقد أن حماس ستعود مرة أخرى إلى كونها حزبا صغيرا".