نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً أعدّه جاريد ماسلين قال فيه إن ترسانة “حزب الله” الضخمة تنتظر إسرائيل في لبنان.
وفي حالة اندلاع حرب شاملة، سيضطر الجيش الإسرائيلي للقتال على أرض “حزب الله”، حيث لن ينفعه التميز في التكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل شنت هجوماً جوياً ساحقاً ضد “حزب الله”، وتفجيرات بالريموت كونترول بهدف وضع الحزب اللبناني في موقع الدفاع عن النفس، إلا أن حرباً برية بين الطرفين ستكون قصة أخرى.
فـ “حزب الله” الذي يشنّ، ومنذ عام تقريباً، هجمات مستمرة ضد أهداف إسرائيلية، يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ والمسيّرات والصواريخ المضادة للدبابات، التي يمكنه نشرها لمواجهة التقدم الإسرائيلي.
ومن بين أسلحته الجديدة الأكثر خطورة صاروخ موجه مضاد للدبابات من صنع إيران يسمى “ألماس”، والذي يمنح “حزب الله” درجة أعلى بكثير من الدقة في ضرباته، مقارنة بوضعه عندما خاض آخر حرب مع إسرائيل، في عام 2006.
وكما حدث في تلك الحرب التي انتهت بمأزق، فسوف تضطر إسرائيل إلى القتال على أرض معركة في جنوب لبنان لدى “حزب الله” الكثير من نقاط القوة فيها، وقد يتحوّل الصراع إلى مستنقع، تماماً كما حدث في الحرب في غزة.
ونقلت الصحيفة عن دانيال بيمان، الزميل بمعهد الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، والمسؤول السابق في الحكومة الأمريكية، وكتبَ دراسة صدرت قبل فترة عن ترسانة “حزب الله”، أنه: “مثل القول للولايات المتحدة عام 1980: دعونا نعود إلى فيتنام”.
وزادت مخاطر الحرب الشاملة، يوم الإثنين، عندما شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة خلّفت 500 قتيل، وأكثر من 1,600 جريح في يوم واحد. وتقول إسرائيل إنها تريد دفع الحزب بعيداً عن حدودها، وتفكيك قوته العسكرية، وإعادة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بسبب الغارات المستمرة على منطقة الشمال، منذ 11 شهراً.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص على معرفة بالحزب قولهم إنه سرّع من استعداداته للحرب، خلال الأشهر الماضية، ووسّع من شبكات الأنفاق في جنوب لبنان، وأعاد تمركز المقاتلين والأسلحة، وهرب المزيد من الأسلحة.
ويقول مسؤولون أمريكيون وفي المنطقة إن إيران زادت من إمداداتها من الأسلحة الصغيرة والقذائف الصاروخية، إلى جانب الصواريخ الموجهة وغير الموجهة بعيدة المدى.
وقال ضابط عسكري سابق في “حزب الله”: “بات الجنوب مثل خلية نحل”. وتأتي الاستعدادات الأخيرة إلى جانب التقدّم الذي حققه الحزب منذ حرب 2006. فمنذ ذلك الوقت، حصل الحزب على آلاف الصواريخ والمسيّرات القتالية الجديدة من إيران، وأضاف مجموعات توجيه إلى صواريخه القديمة غير الموجهة. كما اكتسب مقاتلوه خبرة أكبر من خلال القتال في الحرب في سوريا المجاورة، حيث قاتلوا إلى جانب القوات الروسية والإيرانية وتعلموا تقنيات القتال التي تستخدمها الجيوش التقليدية.
وفي شهري أيار/مايو وحزيران/ يونيو، ضربت المسيّرات المحدثة نظاماً مضاداً للمسيّرات. وقال الحزب إنه هاجم مقرّ شركة دفاع إسرائيلية بالقرب من حيفا، ثالث أكبر مدينة في إسرائيل. ولم تؤكد إسرائيل الهدف، لكنها قالت إن المجموعة ضربت أعمق من المعتاد في إسرائيل.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، خططت شركة فاغنر الروسية لتقديم نظام الدفاع المضاد للطائرات أس إي-22، وذلك حسب تقرير للصحيفة، لكن لم يؤكد إنْ كان الحزب قد تسلّم النظام.
ويقول محللون عسكريون إن “حزب الله” قد يستنسخ التكتيكات التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا، بإطلاق وابل من الصواريخ وأسراب من المسيّرات في محاولة لإرباك أو تعطيل الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب القواعد العسكرية أو الموانئ وشبكة الكهرباء في البلاد.
ويتوقع المسؤولون الإسرائيليون مقتل المئات من الأشخاص. ويقول أصاف أوريون، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، إنه لو اندلعت حرب شاملة “فلن تكون نزهة في الحديقة”.
وتعلق الصحيفة أن “حزب الله” لن يكون قادراً، على الأرجح، على هزيمة إسرائيل، أو إلحاق هزيمة حاسمة بها في حرب تقليدية. فقد تسبّبت الغارات الجوية الإسرائيلية، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بأضرار كبيرة للحزب وقياداته. وربما أدّت إلى تدهور بعض القدرات العسكرية له، بما في ذلك منصات إطلاق الصواريخ ومخازن الأسلحة.
وأظهرت إسرائيل قوتها الاستخباراتية الضاربة، في الأسبوع الماضي، عندما فجّرت أجهزة النداء/بيجر واللاسلكي/ توكي ووكي، وشوّهت الآلاف، وقتلت عشرات المدنيين. وأتبعت هذه العملية بغارة جوية على الضاحية الجنوبية أدّت لمقتل قيادات عسكرية في الحزب.
كما أن الجيش الإسرائيلي يمتلك أسلحة أكثر تقدماً، بما في ذلك طائرات من طراز إف-35 ودفاعات جوية متعددة الطبقات.
ومن شأن التفوق الجوي الإسرائيلي أن يسمح له بإطلاق غارات جوية مدمرة، وشلّ البنية التحتية المدنية في لبنان، كما فعل في عام 2006.
ولكن إسرائيل تفتقد الميزة الإستراتيجية، ذلك أن “حزب الله” لن يحاول الانتصار في حرب مع إسرائيل بالمعنى التقليدي. وبدلاً من ذلك سيحاول جرّ الجيش الإسرائيلي إلى حرب استنزاف، تماماً كما نجحت “حماس”، وهي جماعة أصغر حجماً، وأقل تسليحاً، ولكنها استطاعت النجاة في غزة لأكثر من 11 شهراً.
ويقول الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني إلياس فرحات: “يمكن أن تسبب إسرائيل الدمار في لبنان، وهذا لا نقاش فيه، فهناك فجوة في الميزان العسكري”، مضيفاً أن “حزب الله يملك أسلحة غير متناسقة، وأظهر مقاتلوه مهارات في استخدام الصواريخ المضادة للدبابات عام 2006، وهم مدربون بشكل جيد”.
ويقول خبراء عسكريون إن “حزب الله” ربما يكون القوة شبه العسكرية غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم، حيث يضم عشرات الآلاف من الجنود، وترسانة صواريخ واسعة النطاق. وفي عام 2006، قدّرَ المسؤولون الإسرائيليون أن “حزب الله” لديه حوالي 12 ألف صاروخ وقذيفة.
ونقلت الصحيفة عن قاسم قصير، وهو محلل لبناني مطلع على شؤون “حزب الله”، أن مخزون الحزب تضخم إلى 150 ألف صاروخ، قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو رقم يتطابق بشكل واسع مع التقديرات الإسرائيلية والغربية. ويعتقد المحللون العسكريون أن صاروخ “ألماس”، المضاد للدبابات، هو نسخة هندسية معدلة من صاروخ إسرائيلي يسمى سبايك، ومن المرجح أن “حزب الله” استولى عليه، وأرسله إلى إيران، في عام 2006.
وتستطيع صواريخ “ألماس” التسبّب بأضرار كبيرة، ويمكن مقارنتها بصواريخ مضادة للدبابات متقدمة أخرى مثل صاروخ جافلين الأمريكي، الذي استخدمته أوكرانيا لتفجير المصفحات الروسية، في عام 2022.
وتمنح هذه الصواريخ الفرصة لـ “حزب الله” كي يضرب الأهداف بدقة أكبر من السنوات الماضية، عندما اعتمد بشكل أساسي على الصواريخ غير الموجهة.
وكانت المرة الأولى التي استخدم فيها “حزب الله” هذه الصواريخ في كانون الثاني/يناير، فقد صوّر الصاروخ فيلماً ويظهره وهو ينطلق من جنوب لبنان، ويصطدم بتلّة عالية عليها رادار ومعدات عسكرية أخرى في شمال إسرائيل. وترى الصحيفة أن الحزب، الذي ظهر أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، في الثمانينات من القرن الماضي، وخاض معركة لتحرير جنوب لبنان، دخل في أكثر من مواجهة مع إسرائيل، وكانت أوسعها حرب 2006.
وعلى الرغم من قوتها العسكرية الساحقة، وصلت إسرائيل إلى حافة الكارثة العسكرية بعد أن شنت غزواً برياً على جنوب لبنان، بهدف دفع قوات “حزب الله” إلى الشمال من نهر الليطاني، على بعد حوالي 18 ميلاً من الحدود الإسرائيلية.
وباستخدام تكتيكات حرب العصابات، ألحق “حزب الله” خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية، ونشر صواريخ مضادة للدبابات لاختراق دروع 20 دبابة، وقتل 24 فرداً من طاقم الدبابات.
وأمطر “حزب الله” شمال إسرائيل بـ 150 صاروخاً يومياً، واستخدم صواريخ إيرانية الصنع لضرب بارجة حربية إسرائيلية في البحر المتوسط، وضرب حيفا، حيث قتل ثمانية أشخاص.
وتذكر جندي احتياط قاتلَ لمدة أسبوعين في تلك الحرب كيف عمل مقاتلو الحزب في وحدات صغيرة انتظرت قدوم القوات الإسرائيلية. وعلى الرغم من المواجهات المباشرة بين الجيش والمقاتلين إلا أنهم كانوا يستهدفون القوات الإسرائيلية من مسافة بعيدة بصواريخ مضادة للدبابات يمكنها أن تضرب من مسافة تتراوح بين خمسة إلى ستة كيلومترات.
وقال جندي الاحتياط: “إن حزب الله في عام 2006 ليس حزب الله اليوم”، معترفاً بأن المجموعة حسّنت قدراتها. لكنه أضاف أن الجيش الإسرائيلي نجح أيضاً في تحسين قدراته، واكتسب خبرة جيدة في حرب غزة.
وبالمقابل؛ حصل مقاتلو الحزب على تجربة جيدة عندما دعموا نظام بشار الأسد، عام 2011. كما أصبح تهريب الأسلحة إلى الحزب من إيران أسهل بسبب النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا، ما فتح طريقاً برياً مباشراً من إيران إلى لبنان.
وبدورها، حاولت إسرائيل تعطيل خطوط إمداد إيران و”حزب الله” بالضربات الجوية. لكن الغارات لم تكن كافية لمنع تهريب مكونات مهمة.
ومنذ عام 2006، أضاف “حزب الله” أنظمة توجيه صغيرة، جي بي أس، إلى صواريخه غير الموجهة، وهي أنظمة يمكن نقلها بسهولة، وفي حقيبة سفر.