تتعرض الضفة الغربية إلى تصاعد في وتيرة الاقتحامات والمداهمات المتكررة، والعلميات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدن وقرى ومخيمات الفلسطينيين، ويغلق الجيش الضفة الغربية، منذ بدء الحرب على قطاع غزة، ويفصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها بحواجز وبوابات عسكرية وسواتر ترابية.
ومنذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، يشن جيش الاحتلال عملية عسكرية واسعة شمالي الضفة الغربية، حيث شنت قواته هجمات واسعة النطاق على مدينة جنين، مستهدفةً أحياء سكنية بالكامل، ثم توسعت عملياته العسكرية في طولكرم وطوباس شمالي الضفة الغربية.
وفي طولكرم شمالي الضفة الغربية، تعيش المدينة ومخيماها، طولكرم ونور شمس، أوقاتا عصيبة مع استمرار الحصار المطبق الذي فرضه جيش الاحتلال على المنطقة، وتوسع العملية العسكرية، وسط تدمير كامل للبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، التي تعرضت للتجريف والتفجير والحرق، وما رافقه من مداهمة للمنازل وطرد غالبية سكانها.
معمرة تعيش ذكريات النكبة
ولم يكن الحديث سهلا مع الحاجة شيخة الجندي، المولودة عام 1925، والتي ذاقت مرارة النكبة واللجوء عام 1948، فلا تتوقف عن الذكريات المؤلمة عندما تعرضت قريتها المنسي قضاء حيفا للتهجير، وباتت تلك الذكريات تعيشها الحاجة الجندي مرة أخرى بسبب النزوح من مخيم نور شمس شمالي الضفة الغربية.
وقالت الحاجة شيخة الجندي لوكالة "سبوتنيك": "عشت 100 عام، وشهدت النكبة، ومرة أخرى أعيش ظروف نكبة أخرى، لقد تهجرنا من حيفا عام 1948، في ظروف صعبة وتنقلنا من منطقة إلى أخرى، ثم جلب زوجي خيام من مدينة نابلس وعشنا في مخيم نور شمس بمدينة طولكرم، كانت حياتنا صعبة ونعود مرة أخرى لحياة أكثر صعوبة".
وأضافت: "خلال النزوح من مخيم نور شمس، خرجت ولم أستطع أخذ شيء، ولم تكن ابنتي عندي، وفي ساعات الليل المتأخرة، خرجنا وكنت أبكي على نفسي وعلى الناس، فكل بيت في المخيم فيه ذكريات، أصحابه تعبوا لكي يبنوه، ثم يهدم بهذه الطريقة، وهذه الظروف فتحت الجرح القديم للنكبة، ومنذ نزوحي من المخيم، لا أعرف ماذا حل في بيتي وهل هدم أم لا، ولا أستطيع العودة إليه لغاية الآن".
وتتحدث الحاجة الجندي بمرارة عن مأساة اللجوء، منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن، مؤكدة أن معاناتهم لم تتوقف، بل استمرت بصور متعددة من التشريد والحرمان في مخيمات اللجوء التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية.
وتقيم الحاجة الجندي في مركز للإيواء في مدينة طولكرم مع ابنتها، وتجلس المعمّرة على سريرها الذي لم تفارقه إلا للضرورة، كونها لا تقوى على شيء، وإلى جانبها حقيبتها التي تحتفظ فيها ببعض الذكريات.
وقالت، هيا الجندي، ابنة الحاجة شيخة الجندي لـ"سبوتنيك": "والدتي عاشت ظروف صعبة خلال النكبة مع عائلتها، واليوم تعود هذه الظروف مرة أخرى، ولكن تخبرني أمي أن الظروف الحالية هي أصعب من النكبة، فما حدث في المخيم من دمار واقتحامات وتهجير، لم تشاهد مثله سابقا، واليوم تعيش على أمل العودة مرة أخرى إلى المخيم، لقد تعبت من النزوح، وأقوم برعايتها وتقديم كل ما تحتاج له، لكني عاجزة عن إدخال الفرحة إلى قلبها المتعب".
ورغم مرور أكثر من قرن على ولادة الحاجة شيخة الجندي، لا تزال تحتفظ بذاكرة حية لتفاصيل قريتها، وتشير إلى أن ما تبقى من المنسي، هو بقايا المدرسة والمسجد، وبعض الأسس الحجرية وسط أكوام من الأنقاض، تحيط بها نباتات الصبار.
ويواصل جيش الاحتلال حصاره المطبق على مخيمي طولكرم ونور شمس، شمالي الضفة الغربية، مترافقا مع سماع دوي إطلاق نار وانفجارات، بين الفينة والأخرى، وذلك مع دخول العملية العسكرية يومها الـ 114، وسط تصعيد ميداني، وتعزيزات عسكرية متواصلة.
وكان جيش الاحتلال أجبر أكثر من 90% من أهالي مخيم طولكرم ومخيم نور شمس على النزوح، حيث هجر قسرا أكثر من 4200 عائلة من المخيمين، تضم ما يزيد على 25 ألف مواطن، ولجأ غالبية السكان إلى منازل أقارب داخل مدينة طولكرم وضواحيها، بينما جرى استقبال آخرين في مراكز إيواء، ومن تبقى من المواطنين الذين لم ينزحوا من المخيمين يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة، في ظل استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية، حيث يواجه الأهالي نقصاً حاداً في المياه والكهرباء مع شح شديد في المواد الغذائية، مما يزيد من معاناتهم اليومية.