رفضت شركات فلسطينية بارزة في قطاع غزة، عروضًا مباشرة قدمتها شركة أمريكية مقترحة لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، بعد تواصل الأخيرة معها رسميًا لطلب التعاون.
وأكد سهيل السقا، رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، أن هذه شركات ، بينها "السقا"، "الخضري"، و"لبيب الحلو" تلقت اتصالات من الشركة الأمريكية بهدف إشراكها في تنفيذ خطة المساعدات، لكنها رفضت بشكل قاطع المشاركة في أي مشروع يتعارض مع الثوابت الوطنية أو يحمل أبعادًا سياسية وأمنية مقلقة.
وشدد السقا على أن الرفض جاء في إطار موقف موحد من القطاع الخاص الفلسطيني الرافض لأي محاولة لتسييس المساعدات أو الالتفاف على دور المؤسسات الدولية.
من جهته، قال علي الحايك، نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، إن المساعدات يجب أن تُدار بشفافية وتحت إشراف أممي نزيه، بعيدًا عن تدخلات خارجية أو شركات أمنية، محذرًا من أن التعاون مع جهات غير محايدة قد يعرض السكان والمشاركين للخطر.
فيما يلي نص العطاء المقدم من الشركة الأمريكية، والذي تضمن عروضًا مالية مغرية ومحفزات تشجع الشركات المحلية على التعاون، إلا أن تلك العروض قوبلت بالرفض الكامل حفاظًا على مبدأ النزاهة الإنسانية.
في السياق ذاته، حذّرت منظمة "ترايل إنترناشونال" من خطورة إشراك شركات أمن خاصة في توزيع المساعدات، معتبرة أن هذا التوجه يهدد بتحويل الإغاثة إلى أداة سياسية ويعرض حياة المدنيين للخطر، ودعت لتفويض الأمم المتحدة بمهام التوزيع لضمان الحياد والشفافية.
وفي وقت سابق، أعلن مدير منظمة إنسانية "مثيرة للجدل" ومدعومة من الولايات المتحدة كانت تستعد لإدخال مساعدات إلى قطاع غزة استقالته من منصبه بشكل مفاجىء، ما عزز حالة عدم اليقين بشأن مستقبل هذا الجهد الاغاثي.
وفي بيان صادر عن "مؤسسة غزة الإنسانية"، أمس الأحد، أوضح المدير التنفيذي للمنظمة جيك وود أنه شعر بأنه مضطر للمغادرة بعدما تيقن بأن المنظمة لا تستطيع انجاز مهمتها مع التزامها "بالمبادئ الإنسانية".
وقال وود، إنه "من الواضح أنه من غير الممكن تنفيذ خطة المساعدات"، داعيًا "إسرائيل" إلى توسيع نطاق تقديم المساعدات لغزة بشكل كبير من خلال جميع الآليات. وأضاف "أحث الأطراف المعنية على مواصلة استكشاف أساليب جديدة ومبتكرة لتسليم المساعدات".
وفي وقت سابق، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الآلية الإسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة تنتهك القانون الدولي وتشكّل أداة لتهجير السكان وترسيخ السيطرة العسكرية.
وأوضح المرصد، أن هذه الآلية "مصمّمة لتضليل الرأي العام العالمي" في ظل تزايد الانتباه للكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع المحاصر.
وأضاف أن المراكز الأربعة التي أقامها جيش الاحتلال لتوزيع المساعدات "عاجزة عن تلبية الاحتياجات بشكل آمن وفعّال"، مشددًا على أن النظام التقييدي الذي تفرضه إسرائيل يجعل تلبية الحاجات الحالية "شبه مستحيلة".
وبحسب المعلومات المتداولة، أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي نقطة توزيع واحدة جنوبي محور نيتساريم وسط قطاع غزة، وثلاث نقاط أخرى قرب محور "فيلادلفيا" في أقصى الجنوب، ما يُجبر ممثل كل عائلة في محافظات القطاع الخمس على قطع مسافات قد تصل إلى 30 كيلومترًا ذهابًا وإيابًا أسبوعيًا للحصول على مساعدات غذائية شحيحة، في ظل انعدام الطرق المعبّدة، وغياب وسائل النقل أو الارتفاع الحاد في تكلفتها، واستمرار منع الجيش الإسرائيلي مرور السيارات عبر شارع "الرشيد" غربي غزة، وهو الطريق الوحيد الذي يُسمح فيه للسكان التنقل بين شمالي وجنوبي غزة حاليًّا، بعد إغلاق الجيش الإسرائيلي طريق "صلاح الدين" شرقي القطاع.
وأشار المرصد إلى أن الآلية تهدف لدفع سكان شمالي غزة ومدينة غزة، والذين يمثلون قرابة نصف عدد السكان، للنزوح القسري جنوبًا، محذرًا من أن أرباب الأسر يُجبرون على اجتياز مسافات تصل إلى 30 كيلومترًا أسبوعيًا للحصول على مساعدات محدودة، في ظل انعدام الطرق ووسائل النقل.
وأكد أن الفحص الأمني المفروض على المساعدات يعرّض ممثلي العائلات لخطر الإخفاء القسري أو الاعتقال التعسفي، معتبرًا أن هذه الإجراءات تفتقر إلى أي شرعية قانونية أو إنسانية، وتشكل انتهاكًا واضحًا لمعايير العمل الإغاثي.
وشدد المرصد على أن توزيع المساعدات بهذه الطريقة "لا يعكس أي نية للاستجابة الإنسانية، بل يمثل سياسة متعمدة لإدارة الجوع دون معالجته"، مشيرًا إلى أن "الحكومة الإسرائيلية التي تستخدم التجويع كأداة للإبادة الجماعية لا يمكن أن تكون شريكًا في العملية الإنسانية".
وفي تحقيق سابق لصحيفة "هآرتس" العبرية، كشفت عن تفاصيل مثيرة للجدل تتعلق بالشركة التي أسندت إليها مهمة تنسيق وتوزيع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية وسط اتهامات بتعمّد عرقلة الإغاثة.
التحقيق أزاح الستار عن شركة تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية"، مسجلة كمنظمة غير ربحية في سويسرا وتقدّم نفسها كجهة أميركية، لكنها –وفق الصحيفة– نتاج جهد سري لفريق مقرب من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دون علم الأجهزة الأمنية أو الجهات الرسمية المختصة داخل إسرائيل. ووفق "هآرتس"، تم اختيار الشركة بعملية غير شفافة أشرف عليها اللواء رومان غوفمين، السكرتير العسكري لنتنياهو، دون مناقصة أو إشراك الجهات المعنية مثل الجيش، وزارة الدفاع أو منسق أعمال الحكومة في الضفة وغزة.
مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون أعربوا عن صدمتهم من المسار السري الذي اتبعه مكتب نتنياهو، محذرين من وجود "سلوك غير لائق" و"مصالح شخصية" لدى بعض الأطراف.
ونقلت "هآرتس" عن منتسبين للمؤسسة الأمنية، حاليين وسابقين، أنهم تفاجؤوا باختيار الشركة "المجهولة"، وأكدوا أن الاختيار تم في عملية سرية أشرف عليها اللواء رومان غوفمين السكرتير العسكري لنتنياهو، من دون مناقصة أو المرور عبر القنوات المعتادة أو منسق أعمال الحكومة بالضفة وغزة، كما تم استبعاد الجيش ووزارة الدفاع بشكل كامل من عملية الاختيار.
وتحدثت المصادر عن تفاصيل عملية الاختيار عبر اتصالات ولقاءات داخل إسرائيل وخارجها، وتحويلات مالية بملايين الشواكل دون علم كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، وأشار مسؤولون إلى أن تلك التفاصيل أثارت شكوكا حول "سلوك غير لائق" و"مصالح شخصية" لبعض المشاركين في العملية التي تشير تقديرات إلى أنها ستكلف إسرائيل نحو 200 مليوني دولار خلال 6 أشهر.
وقالت "هآرتس" إنه في ضوء علامات الاستفهام المتنامية، هناك شعور متزايد بين كثيرين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن هناك مصالح شخصية واقتصادية في هذه القضية، ويعزز ذلك الشعور استمرار الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والحاجة المتزايدة لكيان جديد يتولى مهمة تقديم المساعدات.