نُقلت صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمي الشريف، من بلدية الخليل الفلسطينية إلى مجلس مستوطنة "كريات أربع" للاحتلال الإسرائيلي، ما يكشف بالملموس، عن تصعيد يوصف بـ"الخطير في مسار التهويد الممنهج"، وتُجسّد اختراقا صارخا للسيادة الفلسطينية، مع إشعال فتيل المواجهة ومحاولة "طمس الهوية الإسلامية".
هذا التغيير، الذي انطلق يوم الثلاثاء الماضي، يتجاوز الجانب الإداري البحت، يفتح الباب أمام مخاوف تقسيم الأماكن الدينية، كما حدث سابقا في المسجد الأقصى، ما قد يُمهد في الوقت ذاته، لفرض وقائع جديدة تهدّد بانتزاع حق المسلمين في إدارة المساجد التاريخية، وتكريس هيمنة الاحتلال الإسرائيلي عليها.
وفيما قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية: "بشرى كبيرة للاستيطان، ففي خطوة تاريخية غير مسبوقة تقرر إجراء تغيير كبير في الوضع القائم في مغارة المكفيلة"، هو الاسم العبري للحرم الإبراهيمي؛ ترصد "عربي21" خلال هذا التقرير، أبرز المخاوف التي ترهق بال الفلسطينيين.
تمهيدا بالانتهاكات الصّارخة..
منذ قرارات ما تسمى "لجنة شمغار" خلال عام 1994، فإنّ ما يجري حاليا في قلب الحرم الإبراهيمي الشريف، يعدّ من أقوى التغييرات الجذرية، منذ سنوات؛ حيث آنذاك، كانت اللجنة قد أوصت بتقسيم الحرم الإبراهيمي بواقع 63 بالمئة لليهود، و37 بالمئة للمسلمين.
التقسيم الذي تمّ في أعقاب مجزرة ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، وأدّى لاستشهاد 29 فلسطينيا، كانوا يؤدون صلاة الفجر. والآن، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى: إعادة تسقيف الحرم وبناء سقف لساحة يعقوب، حيث يصلي اليهود 90 بالمئة من أيام السنة.
في المقابل، كان وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، محمد نجم ومحافظ الخليل خالد دودين، قد أكّد خلال الشهر الماضي، أنّ: "الحرم سيبقى إسلاميا رغم اعتداءات الاحتلال ومستعمريه، وستواصل وزارة الأوقاف وجميع المؤسسات الوطنية حمايته من الاحتلال".
الوزير والمحافظ نفسه، أكّد على ضرورة، ما وصفه بـ"تكاتف كافة المؤسسات الرسمية والشعبية في مواجهة سياسة التهويد التي تستهدف الحرم الإبراهيمي، وأن جميع مخططات الاحتلال ستبوء بالفشل".
ولفتت الوزارة، أنّ: "سلطات الاحتلال منعت رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي 89 وقتًا خلال حزيران/ يونيو الماضي، وأغلقته أمام المصلين والزوار لمدة 12 يومًا متواصلة".
ويوجد المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، التي تقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويسكن بها نحو 400 مستوطن يحرسهم نحو 1500 جندي إسرائيلي.
تجدر الإشارة إلى أنّ كافة الانتهاكات التي يقترفها الاحتلال الإسرائلي، منذ سنوات، في قلب الحرم الإبراهيمي الشريف، تمسّ بمجمل الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية التراث والمقدسات أثناء النزاعات، مثل: اتفاقية لاهاي لعام 1907م، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، والتي تنص على تحريم استهداف دور العبادة أو تغيير معالمها أو استخدامها لأغراض عسكرية.
القصة من البداية..
تواجه المقدسات الإسلامية في فلسطين، وعلى رأسها الحرم الإبراهيمي الشريف، حملة تهويد ممنهجة تشكل اعتداء صارخا على قدسيتها وطابعها الإسلامي، حيث تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م على تغيير معالمها المعمارية والدينية، وفرض رواية تاريخية مزورة تنكر عروبتها وإسلاميتها. ما يجعل من المهم توثيق الاعتداءات الصارخة. التي تضرب عرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
وبحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" فإنّه: خلال سنة 1994م: أقدم المستوطنون على سكب مادة حارقة على سجاد الحرم في فترة منع التجول. والتحرّش بالمصلّين، مع منع رفع الآذان، ومواصلة الاعتداءات المتكررة. وصولا لما يُعرف تاريخيا باسم: "مجزرة الحرم الإبراهيمي" حيث تسلّل المستوطن "باروخ جولد شتاين" وباشر بإطلاق رصاصه الحاقد على الرُكع السجود؛ فسقط عشرات الشهداء.
جرّاء الحادث المأساوي، أُغلق الحرم الإبراهيمي الشريف في وجه المصلين المسلمين، وفرض منع التجول على هذه المدينة التي قدم أبناؤها العديد من الشهداء في الانتفاضة. وأخذ اليهود يرتبون الأمور داخل هذا المسجد وفق أهوائهم ليحولوه إلى كنيس بحجة الفرز التام بين المسلمين والمستوطنين، وأدخلوا عدّة تغييرات على وضع المسجد الإسلامي.
إلى ذلك، تمّ تقسيم الحرم الإبراهيمي الشريف إلى قسمين ( وقاموا بفصلهم بحواجز وبوابات حديدية، مع وضع ثكنات عسكرية للإشراف والمراقبة الدائمة).
القسم الأول: "الإسحاقية" وتركوه لصلاة المسلمين.
القسم الثاني: "الحضرة اليعقوبية والإبراهيمية واليوسفية" (بقية أكناف الحرم) وكدّسوا فيه الكثير من أدوات العبادة الخاصة بهم.
وفيما توالت الاعتداءات على المسلمين بقلب الحرم الإبراهيمي، أقدم الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 1996م، على إغلاقه لمدة خمسة أيام. وبعدها بأيام بات يُطلب من النساء المسلمات الداخلات للحرم إزالة غطاء الرأس قبل الدخول. مع تكرار إغلاقه بعدها، على فترات متفرّقة، كل مرّة مع مُبرّرات مزعومة، مُختلفة.
وفي عام 1997م، وضحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يافطة، على مدخل الحرم تشمل تعليمات جديدة بشأن الدخول إليه، بينها: الانصياع لأوامر الشرطة، ومنع إدخال الأكل والشراب إلى المسجد، مع منع إدخال الكاميرات وكاميرات الفيديو والمسجلات الصوتية والبلفونات. ليتم بعدها بأشهر أيضا: منع إدخال المصحف إلى الحرم.