لم تكن محاولة الاغتيال الفاشلة لقادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، في الدوحة، أمس الثلاثاء٬ هي المرة الأولى التي يقوم فيها الاحتلال الإسرائيلي، خارج حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل هو استمرار لسياسة طويلة ومعروفة بالاغتيالات ومحاولات الاغتيالات المستهدفة ضد من يعتبرهم تهديدا له.
ويعدّ جهاز الموساد الإسرائيلي المسؤول الرئيسي عن تنفيذ هذه العمليات في الخارج، حيث يستخدم تقنيات سرية، إلا أن فشل بعض هذه العمليات كشف نقاط ضعفه، وأدى إلى أزمات دبلوماسية وإحراج دولي للاحتلال الإسرائيلي في الخارج.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز محاولات الاغتيال الفاشلة التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي، مع تسليط الضوء على أسباب الفشل وتداعياتها الداخلية والخارجية.
اغتيال النادل المغربي بالخطأ في النرويج (1973)
تعتبر حادثة ليلهامر في النرويج، عام 1973، واحدة من أكثر العمليات الفاشلة التي نفذها الموساد، حيث أودى خطأ إلى قتل نادل مغربي. في مساء 21 تموز/يوليو، عندما أطلق عملاء الموساد النار على أحمد بوشيخي، النادل المغربي، بعد اعتقادهم خطأ أنه علي حسن سلامة، القيادي الفلسطيني في منظمة أيلول الأسود المسؤول عن عملية ميونخ.
كان بوشيخي، برفقة زوجته الحامل، في طريقه إلى المنزل، بعد خروجهما من السينما، حين توقفت الحافلة التي كانا يستقلانها بالقرب من منزلهما. اقتربت سيارة من النوافذ، وقفز منها أحد العملاء وأطلق أربع رصاصات عليه مستخدمًا مسدسًا كاتم الصوت، بينما ركضت زوجته تصرخ طلبًا للمساعدة، إلا أن بوشيخي لفظ أنفاسه الأخيرة فور وصول المسعفين.
وفق رواية أخرى، أطلق العميلان 13 رصاصة مباشرة على الضحية أمام زوجته، وهو ما أصاب سكان مدينة ليلهامر بالصدمة، لا سيما أن المدينة لم تشهد مثل هذا الحادث منذ 56 عامًا.
ردود الفعل والتبعات
تمكنت الشرطة النرويجية في اليوم التالي، من تعقّب السيارة إلى المطار واعتقال أربعة مشتبه بهم، بينهم رجلان وامرأتان يحملون جوازات سفر دولية، وتم ربطهم بالموساد الإسرائيلي.
ولاحقًا، ألقى دان أربيل، وهو أحد العملاء، معلومات سرية ساعدت على الكشف عن تورط الموساد في عمليات سابقة استهدفت الفلسطينيين في أوروبا.
إلى ذلك، جرى محاكمة العملاء الستة في عام 1974، وأدين خمسة منهم، وقضوا 22 شهرًا في السجن قبل العفو عنهم وترحيلهم إلى الاحتلال الإسرائيلي. بعد 23 عامًا، دفع الاحتلال تعويضات لأسرة بوشيخي، بينما تمكن علي حسن سلامة الحقيقي من البقاء على قيد الحياة حتى اغتيل لاحقًا في بيروت عام 1979.
ويرجع فشل هذه العملية لاعتماد الموساد على معلومات مضللة من مصادر فلسطينية، وخلط بين بوشيخي وعلي حسن سلامة بسبب التشابه الجسدي واللغة الفرنسية التي تحدث بها الضحية. كشفت هذه العملية عن ضعف شديد في التحقق من المعلومات قبل التنفيذ.
محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن (1997)
في 25 أيلول/ سبتمبر 1997، حاول عملاء الموساد اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سابقا، في عمان عبر حقنه بسم عصبي جديد في أذنه، إلا أن العملية باءت بالفشل بعد تدخل الشرطة الأردنية واعتقال العملاء.
استخدم العميلان الإسرائيليان جوازي سفر كنديين مزورين، وقاما بحقن مشعل بالسم القاتل. وعندما اكتشف ملك الأردن الراحل حسين الواقعة، أعلن أن العملاء سيعدمون إذا فارق مشعل الحياة، ما دفع الاحتلال الإسرائيلي لإرسال رئيس الموساد، داني يتوم، إلى عمان لمحاولة حل الأزمة، في خطوة تضمنت تدخل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزيرين آخرين.
وأجبرت الأزمة الاحتلال الإسرائيلي على الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وعدد من المعتقلين الفلسطينيين كجزء من صفقة تبادل، وأدت إلى أزمة دبلوماسية حادة مع الأردن، وانتقادات واسعة لرئيس الحكومة والموساد داخليًا بسبب خرق التعليمات الصادرة بعد اتفاق وادي عربة، والتي تمنع النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي على الأراضي الأردنية.
وأدّى التحقيق الذي قامت به لجنة تقصي الحقائق إلى استقالة داني يتوم وتعيين إفرايم هليفي خلفًا له، في خطوة اعتُبرت تصحيحًا داخليًا للخلل الاستخباراتي.
محاولة اغتيال قادة حماس في قطر (2025)
في أحدث محاولات الاحتلال٬ حاولت تل أبيب اغتيال مجموعة من قادة حماس في الدوحة بعد اجتماعهم لمناقشة مقترح سلام، أمس الثلاثاء، عبر قصف صاروخي، إلا أن العملية فشلت في استهداف القادة٬ ولكنها أدت إلى استشهاد عدد من المرافقين الشخصيين.
وصفت قطر الهجوم بـ"الاعتداء الإجرامي" و"الجبان"، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية معقدة في ملف التفاوض بين حماس والاحتلال والذي يتم برعاية قطرية، وانتهاك سيادة دولة خليجية، في مؤشر على التوتر المتصاعد في المنطقة.
محاولة اغتيال مسعود بزشكيان (2025)
خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على إيران في حزيران/ يونيو الماضي٬ استهدف الاحتلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران، حيث كان الرئيس بزشكيان حاضرًا، بستة صواريخ حاولت قتل جميع الحاضرين.
تم إطلاق صواريخ أو قنابل لإغلاق منافذ الهروب وقطع الهواء، لكن بزشكيان والمسؤولون الآخرون تمكنوا من الفرار عبر فتحة طوارئ ناجمة عن تضرر المبنى. أصيب بزشكيان بجروح طفيفة في ساقه لكنه لم تمنعه من الحركة.
تم فتح تحقيق داخلي في إيران حول إمكانية وجود اختراق استخباراتي ساعد الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أنّ: "العملية كانت إسرائيلية بالكامل وليس أمريكية كما تداول البعض".
محاولات اغتيال حسن نصر الله
تُعد محاولات اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الإسرائيلية منذ التسعينيات، رغم النجاح الأخير في اغتياله في أيلول/ سبتمبر 2024 بعد عدة محاولات فاشلة.
أبرز المحاولات الفاشلة:
محاولة 1997
اعتمدت الاحتلال الإسرائيلي على طائرات مسيرة ومعلومات استخباراتية من عملاء ميدانيين، إلا أن حزب الله اعتمد على مواكب تضليلية ونظام رصد للطائرات المسيرة، ما أجهض العملية وأظهر قدرة الحزب على مواجهة التكتيكات المتطورة.
حرب تموز 2006
استهدف الاحتلال مواقع في الضاحية الجنوبية عبر غارات جوية وصواريخ موجهة، لكن نصر الله نجح في الاختباء بشبكة أنفاق محصنة، مكنت من تفادي الضرر وإدارة العمليات بشكل آمن، رغم قصف 23 طنًا من المتفجرات على أحد مخابئه.
محاولة 2008
حاول الموساد استهدافه في نفق سري باستخدام أجهزة استشعار وتقنيات مراقبة متقدمة، إلا أن البنية التحتية المعقدة والمخابئ المقاومة للاختراق، إلى جانب وسائل التمويه والاتصالات المشفرة، حالت دون تحديد موقعه بدقة.
نجاح اغتياله في 2024
أُطلقت عشر غارات جوية على مقر الحزب في الضاحية الجنوبية، باستخدام طائرات إف-35 وأخرى إف-15، مستهدفة اجتماع قادة الحزب. أسفرت الغارات عن تدمير ستة مبانٍ كليًا واستهداف مقر الحزب، ما أدى إلى اغتيال نصر الله.
بناء على العمليات المذكورة فإن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد بشكل أساسي على الاغتيالات المستهدفة لضرب قيادات المقاومة٬ مستندة إلى خبرة استخباراتية وتجهيزات عسكرية متقدمة، إلا أن الفشل غالبًا ما ينجم عن معلومات مضللة، ضعف التنسيق أو الاحتياطات الأمنية المعقدة. وأدّت هذه العمليات الفاشلة إلى أزمات دبلوماسية، إحراج دولي، وخسائر في مصداقية الموساد داخليًا وخارجيًا.
كما يظهر أن الدول المستهدفة قد تطورت أمنياً وتقنيا، ما ساعدها على إفشال العديد من هذه العمليات. من النرويج إلى الأردن وقطر وإيران ولبنان، قدمت التجارب نموذجًا واضحًا على محدودية فعالية الاغتيالات في تحقيق الأهداف الإسرائيلية٬ فلم تؤدي هذه السياسة إلا إلى خروج المزيد من القادة الجدد.