25.57°القدس
25.33°رام الله
24.42°الخليل
30.02°غزة
25.57° القدس
رام الله25.33°
الخليل24.42°
غزة30.02°
السبت 20 سبتمبر 2025
4.49جنيه إسترليني
4.71دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.92يورو
3.34دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.49
دينار أردني4.71
جنيه مصري0.07
يورو3.92
دولار أمريكي3.34

"إسرائيل" تتجه لاحتضان عزلتها.. هذه خطة "أسبرطة العظمى"

نشر موقع "موندويس" الأمريكي تقريرا يتناول تصريحات نتنياهو حول سعي إسرائيل نحو "أسبرطة عظمى" والاكتفاء الذاتي العسكري والاقتصادي، مع تسليط الضوء على مدى هشاشة دولته واعتمادها المستمر على الدعم الغربي. 

وقال الموقع، في تقريره، إن للتاريخ في المستعمرة الصغيرة المسماة إسرائيل أسلوبا في العودة إلى ذاته، حيث تعاود المعضلات القديمة الظهور بحلة جديدة. تعيد تصريحات نتنياهو الأخيرة — التي حذر فيها من ازدياد عزلة إسرائيل والحاجة إلى التحول نحو "أسبرطة عظمى" باقتصاد مغلق — صدى عقود مضت، فحين يتحدث عن صناعة سلاح مستقل لتتحرر إسرائيل من قبضة السياسة الخارجية، يطلّ شبح طائرة "لافي" من الماضي ليطارد حاضر إسرائيل.

وأوضحت الموقع أن مشروع "لافي" من ثمانينيات القرن الماضي جسّد مسعى إسرائيل نحو الاستقلال في السماء، إذ لعبت واشنطن دور الراعي والناقد معًا - إذ موّلت التطوير وفي الوقت ذاته شككت في جدواه. وكان السؤال الأمريكي: لماذا تسعى إسرائيل إلى مقاتلة متطورة خاصة بها بينما طائرات "إف-16" الأميركية أرخص، جاهزة، ومجرّبة ميدانيًا؟ هكذا صار مشروع "لافي" مفارقة بحد ذاته: حلم غذته أموال الحليف، لكن مصالح الحليف نفسها كانت السكين التي أنهت الحلم.

وتابع، الموقع أنه لا تزال المفارقة قائمة اليوم، فمع اقتراب أوروبا من فرض قيود وعقوبات على السلاح، تؤكد تحذيرات نتنياهو بشأن هشاشة سلاسل التوريد الأجنبية أن اعتماد إسرائيل على الغرب يجعلها هشّة استراتيجيا.

وقد أبرزت حربها الأخيرة مع إيران هذا الواقع، إذ أظهرت أن إسرائيل تعتمد في قدرتها على شن الحروب على تدفق مستمر للسلاح والمال، واضطرت لإنهاء حملتها العسكرية بعد توبيخ ترامب، فالقوة الجوية ليست مجرد أداة دفاع، بل حجر الزاوية لهيمنتها الإقليمية؛ ومن دون السيطرة على الأجواء، ستواجه إسرائيل محاسبة بلا أقنعة عن ما ارتكبته في غزّة والضفة الغربية على مدى عقود من الاحتلال.

وأردف أنه كما في الأمس، فإن أشد السجالات لا تدور مع العالم فقط، بل داخل إسرائيل نفسها. في زمن "لافي"، اعتبر أنصاره المشروع قفزة نادرة نحو الاستقلال الذاتي، فيما رآه منتقدوه حماقة مالية سرقت موارد المدارس والمستشفيات والبنى التحتية.

واليوم، يثير مشروع "أسبرطة العظمى" الانقسام ذاته إذ يحذّر رجال الأعمال والنقابات من أن إسرائيل لا يمكنها — ولا ينبغي لها — أن تعزل نفسها، منبّهين إلى هوّة سياسية واقتصادية واجتماعية وشيكة.

وفي ذلك الوقت، كان الثمن طائرة واليوم ثمن العزلة. ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع مستعمرة صغيرة محاصَرة، ترتكب جرائم حرب يومية، أن تجازف بسيادة تُشترى بالاكتفاء الذاتي؟ حين أُجهض مشروع "لافي" عام 1987، خلف درسًا أخلاقيا: للاكتفاء الذاتي ثمن باهظ، لكن المعرفة المكتسبة ساعدت إسرائيل على التفوّق في الطائرات المسيّرة والإلكترونيات الدفاعية.

واليوم، يحوّل الحلم بالسيادة إلى تكنولوجيات أقل ظهورا لكنها مؤثرة، كما تؤكد تصريحات نتنياهو عن ازدهار الصناعة الدفاعية وقدرة إسرائيل على الاعتماد على نفسها.

وبحسب تقرير الموقع، فإن منتقدي هذا المشروع لا يرون سوى الخطر — أن هوس الاكتفاء الذاتي سيترك إسرائيل دبلوماسيًا معزولة واقتصاديًا منهكة، مستبدلةً وعد أثينا بتقشف أسبرطة. لم تُحلّق "لافي" يومًا، لكنها ما زالت تلوح كالسراب فوق سياسة إسرائيل.

وقد يكون مشروع نتنياهو عن "أسبرطة العظمى" مجرد خطاب، لكنه قد يكون أيضًا نقطة تحوّل في الجدل الطويل داخل المستعمرة مع نفسها. والسؤال الآن يخيّم فوق إسرائيل: هل يستحق حلم الوقوف وحيدة، بلا مكالمات متواصلة من قادة أميركيين وأوروبيين، ثمن العزلة المصاحبة له؟

المفارقة الصهيونية

رغم مهارة نتنياهو في المراوغة والكذب، تبقى حقيقة واحدة: إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا لحملتها ضد الفلسطينيين. لا يُقاس هذا الثمن بالدم وحده، بل في المفارقة التي تكشف عن طبيعة الكيان ذاته. يصرّ ائتلاف اليمين على التحدي، مكرّرًا أن "العالم قد كرهنا منذ ألفي عام"، لكن تحت هذا التحدي يكمن قلق دفين: ما قيمة إسرائيل إذا انهارت صورتها كملجأ على بنيتها الإمبريالية؟

وأشار الموقع إلى أن ملجأً مشيّدًا على نزع الملكية والتحالف مع قوى عظمى، مستفيدًا من الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، ومعتمد على إخضاع شعب آخر لتأمين رأس المال والصناعة، لا يمكن اعتباره ملجأ حقيقيا، فاقتصاد إسرائيل قائم على رؤوس الأموال الأجنبية، وترسانتها على الدعم الأميركي، ومكانتها الدبلوماسية على حسن نوايا القوى العظمى.

وحتى حياة مستوطنيها ورفاههم مشروطة بنظام اجتماعي يوفر الرعاية الصحية والنقل العام وأوهام حياة حيوية، بينما يعتمد إنتاجها الثقافي على سرقة صامتة من التراث الفلسطيني. يواجه مجتمعها القائم على المال والتكنولوجيا والشرعية العالمية خطر الانهيار إذا انقطعت عنه هذه الموارد.

وذكر الموقع أن الإسرائيليين أتقنوا منذ زمن طويل فن "أكل الكعكة وتركها كاملة" — استجداء الراعي الإمبراطوري ومشاكسته في آن واحد. هذه المفارقة متجذرة في تاريخ الصهيونية: في الأربعينيات، وجّهت "الهاجاناه" بنادقها ضد القرى العربية والسلطات البريطانية، دمرت السكك الحديدية، واغتالت ضباطًا ومسؤولين أمميين، رغم اعتمادها على الأسلحة والدبلوماسية البريطانية لأمن المشروع الصهيوني.

لاحقًا، توترت علاقاتها مع فرنسا بعد حظر السلاح 1967، وحتى الولايات المتحدة لم تسلم من مهاجمة ضغوطها رغم اعتماد إسرائيل على دعمها المالي والعسكري.

وينسجم تصريح نتنياهو اليوم مع هذه المفارقة بين الاستقلال والاندماج. فزعيم نيوليبرالي أعاد صياغة الاقتصاد لخدمة القلة، يعود الآن إلى خطاب الاكتفاء الذاتي، متمرّدا على البنى التي ساعدته أصلًا. فكرة "أسبرطة العظمى" ليست رؤية بقدر ما هي صرخة فراغ، لكنها قد تشير أيضًا إلى استعداد إسرائيل لاحتضان الفوضى القانونية فقط من أجل "حل المسألة الفلسطينية".

منطق الظلام لما هو قادم

منذ 1948، ولا سيما بعد 1967، شيّدت إسرائيل بدعم راعيها العالمي بنية كاملة مكّنتها من حياة شبه مريحة، حافظت خلالها على هيمنتها بتكاليف محدودة. محمية بتفوّق عسكري، وغطاء دبلوماسي، ورأس مال أجنبي، عزلت إسرائيل مواطنيها عن تكاليف الاحتلال، محوّلة الفلسطينيين أحيانًا إلى حقول تجارب راضية وأحيانًا مكرهة.

وقال الموقع إن واقعية احتلال بلا تكلفة اعتمدت على استقرار نسبي، لا على إبادة كاملة وسريعة. بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، عُرضت البنية التي ضمنت هيمنة إسرائيل لمخاطر حقيقية. السؤال اليوم: إلى أي مدى ستذهب إسرائيل باسم إبادة الفلسطينيين؟ هل ستضغط على الأردن ومصر؟ هل ستعيد قطر إلى حجمها الفعلي وتفرض الخضوع على الدول العربية؟

وأورد الموقع أن الأحداث الأخيرة، أبرزها الضربة ضد قطر، تشير إلى استعداد إسرائيل لنسف النظام الإقليمي الذي طالما حماها، مختبرة حدود صبر رعاتها وجيرانها. هذا السلوك الفجّ، الممزوج بالتحدي واليأس، يعكس إدراكًا بأن التطهير العرقي للفلسطينيين يتطلب إعادة تشكيل التوازن الإقليمي، بينما بدأ بعض العرب يفكرون بصمت: كنا مخطئين حين ظننا أن محور المقاومة يهدّأ — فإسرائيل استهدفتنا نحن بعدهم.

أوهام الحضارة

وبحسب الموقع، لا يقتصر استدعاء نتنياهو لـ"أسبرطة العظمى" على الاقتصاد أو التسليح، بل يستحضر أسطورة غربية طالما ادعت إسرائيل أنها إرثها الشرعي. منحت أثينا الغرب الديمقراطية والفلسفة، والقدس صوته الأخلاقي، وبنت روما المؤسسات التي تشكّل الدولة الحديثة، لكن إسبرطة ظلّت تذكّر أن البقاء يتطلّب التضحية والانضباط.

وفي الختام، قال الموقع إن إسرائيل سعت لارتداء عباءة أثينا والقدس وروما، مروّجة نفسها كدولة متعددة الثقافات، لكنها في الواقع تنفّذ إبادة جماعية عبر جيشها، بينما بنيتها المادية تقول شيئًا آخر، وكانت فلسطين ضحية هذه الأوهام: فرسان يبنون أثينا أو روما أو إسبرطة فوق جسدها، وأيديولوجيات تتخيل صدام حضارات على أرضها. وفي النهاية، إسرائيل ليست أيًا من هذه الأساطير.

المصدر: فلسطين الآن