أثارت مشاركة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في قمة شرم الشيخ حول إيقاف الحرب في غزة، جدلا سياسيا في العراق، ففيما وصفها البعض تمهد للتطبيع، ورآها آخرون بأنها تؤكد أهمية دور البلد الإقليمي وموقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
وشارك السوداني، الاثنين، في قمة شرم الشيخ للسلام المقامة، بدعوة من مصر والولايات المتحدة الأمريكية، لمناقشة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار بمشاركة أكثر من 20 قائدا عالميا وإقليميا.
الصدر غاضب
وفي أول ردة فعل على الزيارة، قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إنه من المعيب على الأحزاب الشيعية الحاكمة (...) أن يحضر رئيس مجلس وزرائها اجتماعا كان سيحضره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واعتذر نتنياهو عن الحضور بحجة الأعياد الدينية في دولة الاحتلال.
وأضاف الصدر خلال تدوينة على منصة "أكس" أنها "(...) لعلها بداية لإعلان التطبيع، أو فيها توقيع على حل الدولتين الذي يجرّمه قانون التطبيع".
يأتي ذلك في وقت، انتقد فيه أمين عام "كتائب الإمام علي" المنضوية في قوات الحشد الشعبي، شبل الزيدي، مشاركة السوداني، في قمّة شرم الشيخ في مصر، معتبرا الأمر "مغازلة لمحور التطبيع".
وقال في تدوينة له، إن "الحضور في قمة المطبعين في شرم الشيخ رسالة مغايرة للتوجه العام للشعب العراقي، ومخالفة لقرار التجريم، ومغازلة غير مقبولة لمحور التطبيع، ورسالة إذعان وهرولة نحو المعسكر بلا مبرر ولا مصلحة وطنية، (لا دفع ضرر ولا جلب منفعة) بل هي رسالة تسويق شخصي على حساب الثوابت الوطنية".
وفي السياق ذاته، قال النائب والمكلف السابق برئاسة الحكومة العراقية، عدنان الزرفي، خلال مقابلة تلفزيونية، إن حضور السوداني لهذا المؤتمر هو بداية للقبول بحل الدولتين وهو خلاف لرأي النظام السياسي في العراق، وأن القبول بهذا الحل هو اعتراف بدولة إسرائيلية.
وأوضح الزرفي أن "النظام السياسي العراقي بنى وجهة نظره على قضية عقائدية تاريخية واستمر على هذا الموقف طيلة السنوات الماضية، وأن مراجعة النظام لهذه المسألة قد يعرضه إلى تناقضات لا حصر لها، خصوصا أن العراق شرع قانون تجريم التطبيع".
وفي المقابل، ردت البرلمانية عالية نصيف، عضو ائتلاف "الإعمار التنمية" بزعامة السوداني، بالقول إن "موقف السوداني الوطني المشرّف يمثل موقف الشعب العراقي الرافض لجرائم السفاح نتنياهو، لن نزايد على مواقفنا الوطنية تجاه فلسطين".
أما الموقف الحكومي الرسمي فجاء على لسان المتحدث باسمها، باسم العوادي، الذي أكد أن مشاركة السوداني في قمة شرم الشيخ للسلام بشأن غزة، تأتي في إطار التأكيد على أهمية الدور الإقليمي للعراق، والموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
وقال إن "حضور عدد كبير من قادة الدول في هذه القمة ما كان ليحدث لولا الأهمية البالغة للقضية الفلسطينية، وكذلك إدراك المجتمع الدولي المتزايد بأهمية الدور العراقي في المنطقة".
وخلال مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي"، الاثنين، قال السوداني، إن "العراق أعلن دعمه للاتفاق الذي توصل اليه الرئيس دونالد ترامب، ونحن نعتقد انه جاد في تحقيق السلام، وهذا هو هدف الجميع".
ووصف السوداني المبادرة الأمريكية بـ"المهمة"، معرباً عن أمله، بأن يكون هذا الاتفاق مستداما، وبداية لحل جذري لهذه المشكلة، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".
وحول موقف السوداني من توني بلير المعروف بدوره في احتلال العراق، وطرح دور مستقبلي له في غزة، قال، إن "بلير شخص مقبول من العراقيين، وصديق، ساهم بالذهاب إلى الحرب في ذلك الوقت والإطاحة بنظام صدام حسين".
ووصف السوداني توني بلير بأنه "صديق عظيم للعراقيين ويزورنا في كثير من الأحيان، وعقد اجتماعات معه، بالتأكيد نتمنى له النجاح في مهمته، ونحن ندعمه".
"مظلة حماية"
وبخصوص تداعيات مشاركة السوداني في قمة شرم الشيخ، قال كاظم ياور مدير مؤسسة "دستورنامه" للدراسات الديمقراطية، إنه "لم يكن العراق دولة ذات أولوية للدول الأوروبية والولايات المتحدة حتى يشارك فيها، لكن الدعوة ربما جاءت بطلب عراقي من الجانب المصري".
وأضاف ياور أن "السوداني يقرأ الساحة الدولية والإقليمية ما بعد حرب غزة، وهناك شكوك بأن إسرائيل قد تصعّد ضد الدول التي كان لديها مع موقف إيجابي مع غزة، لذلك ذهاب رئيس الوزراء ربما يتعلق بالدرجة الأساس بإعطاء العراق حصانة إقليمية تجاه أي هجمات إسرائيلية".
وأوضح الخبير السياسي أن "العراق حاول أن يقف في مظلة شرم الشيخ لإبعاد هذه المخاطر عنه، وربما هذه الجزئية ربما تتفق عليها- ولو سرا- الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي، لأنها مسألة أكبر من الانتخابات ونتائجها".
وبخصوص الحديث عن أن المشاركة في قمة شرم الشيخ هي بداية للتطبيع مع إسرائيل، رأى ياور أن "تصريحات زعيم التيار الصدري، وآخرين يقاطعون الانتخابات البرلمانية لديهم وسائل للنيل من المشاركين في العملية الانتخابية، بالتالي هم بحاجة إلى مثل هذه التصريحات".
ورجح ياور أنه "كلما اقترب من موعد الانتخابات، فإن وسائل التيار الصدري لمنع أو التشويش على العملية الانتخابية تتراجع، بالتالي يريد التحول إلى العمل على ما بعد النتائج، والتي ربما ستقتصر على الوجوه القديمة و المخضرمة في العملية السياسية، وأبرزهم السوداني، ولا وجود للوجوه الجديدة".
ولفت إلى أن "هذه الوجوه القديمة عليها اعتراضات شديدة وكبيرة من الصدر، لذلك يحاول التيار الصدري إخراج أوراقه الضاغطة على العملية الانتخابية خلال المرحلة الحالية، والتي تعقب إعلان النتائج".
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي، أن "زيارة السوداني ودعوة مصر له كان الغاية منها محاولة أن يكون العراق ضمن العمق العربي، إضافة إلى أن ترامب ربما وافق، لأنه بلد يمتلك مقدرات مالية الكبيرة، وأن الولايات المتحدة تريد تعزيز وجودها الاستثماري في المنطقة".
وبيّن الفيلي أن "موضوع التطبيع أعتقد أن العراق ربما يكون آخر قاطرة في قطار التطبيع، رغم أنه لن يتم في عهد السوداني ولا غيره، لأن الفلسطينيين أنفسهم يريدن حل الدولتين، ولا يستطيع أي أحد التحدث بالنيابة عنهم".
وبحسب قول المحلل السياسي العراقي، فإن "زعيم التيار الصدري لابد أن يعترض لأنه جزء من المدرسة العقائدية لوالده المرجع الديني محمد صادق الصدر التي تؤمن بضرورة معادة إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية".
وأعرب الفيلي اعتقاده بأن "التحدي الأكبر سيكون ما بعد العملية الانتخابية، لأن التيار الصدري سيتحرك على أكثر قضية، وقد يكون المرتكز فيه هو موضوع الفساد أكثر من غيره، وليس الحديث عن التطبيع، لكن يبقى عنصر المفاجئة والمؤثرات الخارجية هي الحاسمة في عملية تشكيل الحكومة المقبلة".
وأشار إلى أن "إسرائيل متغلغلة في الشركات العالمية الكبرى بمختلف القطاعات الاقتصادية، والكثير منها واجهات لها، وهذه مشكلة بحد ذاتها، لذلك الأمر ليس بحاجة إلى ضغط من ترامب لدفع العراق نحو التطبيع أو أي تعاطي اقتصادي مع الجانب الإسرائيلي".