31.12°القدس
30.88°رام الله
29.97°الخليل
29.14°غزة
31.12° القدس
رام الله30.88°
الخليل29.97°
غزة29.14°
الأربعاء 05 نوفمبر 2025
4.26جنيه إسترليني
4.62دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.76يورو
3.27دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.26
دينار أردني4.62
جنيه مصري0.07
يورو3.76
دولار أمريكي3.27

ماذا سيتغير في نيويورك بعد فوز ممداني بمنصب العمدة؟

في أعقاب مداهمة منزل أحد أبرز ممولي حملة إريك آدامز، اجتمع عدد من القادة التقدميين والنقابيين في نيويورك سرا في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، داخل قاعة صغيرة في لونغ آيلاند سيتي، لوضع خطة للإطاحة بالعمدة الذي اعتبره اليسار خصما شرسا، وكان بين الحضور مراقب المدينة براد لاندر، ورئيس حي بروكلين أنطونيو رينوسو، وعضوة مجلس الشيوخ جيسيكا راموس، وحضر أيضا شخص لم يتوقع أحد وجوده: زهران ممداني، النائب الشاب عن كوينز.

بحسب تقرير موسع لشبكة "CNN"، شكل ذلك الاجتماع الشرارة الأولى لصعود ممداني، الذي سيصبح أول عمدة مسلم وأصغر من يتولى المنصب منذ قرن، ومع أن الحاضرين لم يكونوا يعلمون أنه يفكر في الترشح، إلا أن ممداني شارك بحماس في النقاشات، مقترحا أن يرتكز أي ترشح تقدمي على قضية تجميد الإيجارات وجعل النقل العام مجانيا، حيث كان ينتمي لحركة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا"، واستفاد من تنظيمها القوي لتأسيس حملته.

في صيف 2024، أبلغ ممداني قادة "حزب العائلات العاملة" قراره خوض السباق، مستلهما تجربة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز في كسر المنظومة السياسية، ومتبنيا خطة تقوم على طرق مليون باب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح انتخابي.

حين وقف على المسرح في بروكلين مساء فوزه، أعلن بثقة: "ضد كل الصعاب، فعلناها"، متعهدًا بأجندة جذرية لمعالجة أزمة المعيشة، من مجانية الحافلات إلى متاجر البقالة الحكومية.

وأثار فوز ممداني جدلا حول مستقبل الحزب الديمقراطي، فأنصاره يرونه تجسيدا لتيار تقدمي صاعد قادر على إعادة الحيوية للسياسة، بينما يعتبره منتقدوه انعكاسا لتوجهات يسارية مفرطة لن تنجح خارج نيويورك.

من السرية إلى الانتصار

توضح شبكة "CNN" أن حملة ممداني اعتمدت على تنظيم ميداني هائل أكثر من اعتمادها على الإعلانات.

وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية على أندرو كومو وكيرتس سيلوا، واجه مرحلة عصيبة حيث توقفت حركة الناخبين ولم تُجدِ الرسائل التقليدية، فلجأ إلى فيديوهات ساخرة تحاكي برامج تلفزيونية مثل "ذا باتشلر" و"سرفايفر" لجذب الشباب، ورغم القلق الذي انتاب مستشاريه في نهاية الصيف، أعاد نشاطه بزخم بعد إجازة زواجه وبدأ التواصل مع رجال الأعمال لتهدئة مخاوفهم من سياساته.

السيناتور بيرني ساندرز، الذي دعم ممداني منذ البداية، شعر بالقلق من ضعف الانضباط التنظيمي داخل الحملة، فنصح الفريق بالتركيز على أول مئة يوم من الحكم قائلا: "سيحاولون سحقكم، أعطوا الناس نتائج فورية"، حتى الرئيس الأسبق باراك أوباما اتصل به عشية الانتخابات، مشجعا إياه على التركيز على الخدمات العامة والإدارة الفعالة، في مكالمة وصفها مصدر للشبكة بأنها "ودية ومليئة بالاحترام المتبادل".

ما بعد الفوز

فور إعلان النتائج، بدأ فريق ممداني تحضير مرحلة الانتقال، وتداول المقربون قائمة بأسماء مرشحين لمناصب عليا في الإدارة الجديدة، أحد المفاجآت كانت إعلانه في مناظرته الأخيرة أنه سيطلب من مفوضة الشرطة جيسيكا تيش البقاء في منصبها، رغم أنه لم يناقشها بالأمر مسبقا، ما أثار دهشة عدد من مساعديه المحتملين.

أما براد لاندر، مراقب المدينة وأحد أوائل الداعمين له، فقد وجد نفسه مستبعدا من الدائرة المقربة، فبعد أن بنى تحالفه مع ممداني ضد كومو، بدأ الأخير ينأى بنفسه عنه معتبرًا أنه "لطيف لكن غير فعال"، وفق مصادر مقربة. ومع اقتراب الانتخابات، سرت أنباء أن لاندر يفكر بخوض سباق جديد للكونغرس ضد النائب دان غولدمان، بعدما علم أنه لن يحصل على منصب في إدارة ممداني.

التحولات القادمة في نيويورك

تعهد زهران ممداني بإطلاق ما وصفه بـ"ثورة خدمية شاملة" تهدف إلى جعل المدينة أكثر عدالة وقدرة على استيعاب سكانها، وفي مقدمة وعوده جعل التنقل بالحافلات العامة مجانيا عبر جميع أنحاء المدينة، وتجميد الإيجارات بشكل فوري مع فرض رقابة صارمة على المالكين المقصرين في صيانة العقارات.

كما أعلن عن خطة لإصلاح نظام السكن عبر إعادة هيكلة مكتب العمدة لضمان محاسبة مالكي العقارات، وتوسيع نطاق الإسكان الدائم بتكلفة تتناسب مع دخول السكان.

وتتضمن خطته كذلك إنشاء شبكة من متاجر البقالة المملوكة للمدينة لتوفير المواد الغذائية بأسعار في متناول المستهلكين، إضافة إلى توفير رعاية مجانية وشاملة للأطفال من عمر ستة أسابيع حتى خمس سنوات.

وتعهد بمضاعفة إنتاج المساكن مستقرة الإيجار والمبنية بأيدٍ نقابية إلى ثلاثة أضعاف، في إطار برنامج يهدف إلى دعم الطبقة العاملة وتعزيز النمو الاقتصادي المحلي القائم على العدالة الاجتماعية.

لكن هذه الخطط ستصطدم بمعارضة شديدة من المحافظين والقطاع الخاص، فقد أعلن المرشح الجمهوري كيرتس سيلوا أنه سيعتبر نفسه "عمدة في المنفى"، متعهدا بقيادة احتجاجات سلمية ضد أي "تجاوزات اشتراكية" من إدارة ممداني.

من جهته، حذر الملياردير جون كاتسيماتيديس، أحد داعمي ترامب، من أن فوز ممداني "يخفي شيئا آخر سنكتشفه قريبا"، في إشارة إلى احتمال مواجهته لضغوط اتحادية أو سياسية، ومع ذلك، يرى التقدميون أن فوزه يمثل "رسالة وطنية" للديمقراطيين حول قدرة الجيل الجديد على تعبئة الناخبين عبر القضايا الاجتماعية لا عبر التحالفات التقليدية.

تحالفات وتصدعات

في الأيام الأخيرة من الحملة، لعبت شخصيات بارزة دورا محوريا في ترجيح الكفة لصالح ممداني، فقد شارك ساندرز في مهرجان ختامي بملعب فوريست هيلز، بينما أرسل النائب عن كاليفورنيا رو خانا رسائل دعم إلى الجالية الهندية المسلمة في كوينز، مؤكدا أن "فوز ممداني لحظة تاريخية تعكس التعدد الأمريكي الحقيقي"، حتى والدة العمدة الجديد، المخرجة الهندية ميرا ناير، حضرت المهرجان الأخير ووقفت بجانب ابنها في لحظة رمزية جمعت بين السياسة والثقافة.

أما داخل الإدارة الأمريكية، فقد راقبت واشنطن عن كثب صعود ممداني، إذ ترى فيه بعض الدوائر الديمقراطية نواة لتيار تقدمي قد يؤثر على الانتخابات الوطنية المقبلة، بينما يخشى آخرون من أن خطابه الراديكالي يعمّق الانقسام داخل الحزب.

ختام مرحلة وبداية أخرى

عشية فوزه، تذكر ممداني الاجتماعات السرية التي انطلقت منها رحلته السياسية قبل عامين، وقال لأحد مساعديه إنه "صوت لنفسه على خط حزب العائلات العاملة لا على الخط الديمقراطي، وفاء لمن بدأوا المسار معه".

وبعد فوزه، أعلن أن أولويته "إعادة تعريف ما يعني أن تكون مدينة نيويورك عادلة وقادرة على احتضان الجميع".

لكن ما ينتظر ممداني الآن لا يقل صعوبة عن الطريق الذي قاده إلى المنصب، فبين ضغوط وول ستريت، ومعارضة الجمهوريين، وتوقعات التقدميين العالية، تبدو ولايته اختبارا فاصلاً لمستقبل اليسار الأمريكي في واحدة من أكبر مدن العالم.

 

المصدر: فلسطين الآن