تتصاعد مخاوف داخل صفوف كبار المانحين اليهود في الحزب الجمهوري، مع اتساع الجدل حول مزاعم تنامي الخطاب المعادي للسامية داخل اليمين الأمريكي، بعد سلسلة مواقف وتصريحات فجّرت انقسامات حادة بين قيادات الحزب ومموليه المؤيدين لإسرائيل.
ونشرت مجلة "بوليتيكو" تقريرا أعده صامويل بنسون وأليك هيرنانديز قالا فيه إن كبار المانحين اليهود الجمهوريين بدأوا بمواجهة مشكلة معاداة السامية المتنامية في حزبهم، لكنهم لم يتوصلوا بعد إلى إجماع حول كيفية الرد.
وأضافا أنه في الأسابيع التي تلت دردشة بودكاست بين تاكر كارلسون ونك فوينتس، منكر الهولوكوست، والتي أشعلت معركة داخل الحزب حول ما إذا كان ينبغي على الحزب الجمهوري تحدي المؤثرين المعادين للسامية، يأمل بعض كبار المانحين أن يتجنبوا العاصفة، بينما يشعر آخرون بالتشرد السياسي في حزب يعتبره البعض "مشكلة نازية" متنامية.
وبيّنا أنه مع ذلك، يستعد آخرون لمعارضة مرشحي الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الذين يتبنون معاداة السامية، خاصة بعد أن أعلن فوينتس، عقب ازدياد اهتمامه، في تشرين الثاني/ نوفمبر إعادة إطلاق جمعية غير ربحية مع التركيز على انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. ويقول إنه يأمل في "التغلغل في السياسة" و"توجيه الناس ومساعدتهم على فهم من يصوتون له". وأضاف أنه مهتم بشكل خاص بكشف "جماعة ضغط إسرائيل أولا، وحركة جعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى".
وذكرا أن إيتان لاور، وهو جمهوري بارز ومؤسس لجنة العمل السياسي "المبادئ الأمريكية" التي تضم مسؤولين منتخبين ومانحين مؤيدين لإسرائيل قال: "لا يوجد هنا حل وسط، لكنني أعتقد أنني أرى قوى تصطف لمقاومة هذه الأجندة". وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت الوسيلة الرئيسية للشخصيات التي تُبدي مشاعر معادية للسامية أو معادية لإسرائيل. من المذهل مدى نفوذهم ومدى قدرتهم على اختراق الساحة، فقط بفضل تاكر وكانديس [أوينز]، وهي مؤثرة محافظة أخرى قللت من شأن الهولوكوست ووصفت إسرائيل بـ"دولة طائفية".
وأوضحا أن عدم الارتياح بين كبار المتبرعين المؤيدين لإسرائيل، الذين يديرون جهاز جمع التبرعات للحزب الجمهوري، يشير إلى تعقيد هذه اللحظة السياسية بالنسبة لليهود الأمريكيين المحافظين. يشعر الكثير منهم أن الحزب الديمقراطي سمح لمعاداة السامية بالتسلل إلى تياره الرئيسي في السنوات الأخيرة. والآن، يخشون أن يحدث الشيء نفسه للحزب الجمهوري.
وقالا إن هذه التصدعات ظهرت بوضوح منذ أن استضاف كارلسون، أحد ركائز الحركة المحافظة، فوينتس في بودكاسته في 27 تشرين الثاني/ أكتوبر. أشاد فوينتس بالديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين، وادعى أن "التحدي الأكبر" لتوحيد البلاد هو "اليهودية المنظمة". قال كارلسون، المذيع السابق في قناة فوكس نيوز والذي لا يزال يحظى بمتابعة واسعة، إن مؤيدي إسرائيل الجمهوريين يعانون من "فيروس دماغي".
وأكدّا أن الحلقة أثارت موجة من الصدمة في أرجاء الحزب، حيث أثارت استنكارا من السيناتورين تيد كروز (جمهوري من تكساس)، وليندسي غراهام (جمهوري من كارولاينا الجنوبية)، ومقدم البودكاست المحافظ بن شابيرو، وهو خصمٌ قديم لفوينتس. دافع رئيس مؤسسة هيريتيج، كيفن روبرتس، في البداية عن البودكاست، مما أدى إلى اضطرابات داخلية في المؤسسة البحثية وإدانات خارجية. وعندما سُئل الرئيس دونالد ترامب عن الحلقة، قال إن كارلسون له الحق في مقابلة فوينتس، وإن "الناس هم من يقررون". وشعر المتبرعون بنفس هذه الموجة من الصدمة.
وأشار التقرير إلى أن أحد كبار المتبرعين اليهود الجمهوريين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، وقارن مقابلة كارلسون المثيرة للجدل مع كروز في وقت سابق من هذا العام بحلقته الأخيرة التي شارك فيها فوينتس.
وقال المتبرع: "يستضيف تاكر كارلسون تيد كروز، الداعم لإسرائيل، ويهاجمه بشدة لفترة طويلة. لقد كان الأمر وحشيا للغاية. ويستضيف نك فوينتس".
وأضاف المتبرع: "معاداة إسرائيل ومعاداة السامية، هذان مصطلحان متداخلان. يختبئ الكثير منهم وراء معاداة إسرائيل، ومن الصعب جدا إثبات ذلك لأنه يجب أن يسمح لك حقا بانتقاد إسرائيل. أنا [مثل] القاضي بوتر في هذا: أعرف ذلك عندما أراه. إنهم ليسوا مجرد معادين لإسرائيل. أعتقد أنهم يختبئون وراء حرية التعبير، يختبئون وراء الانعزالية. أعتقد أن هناك قدرا لا بأس به من معاداة السامية الكلاسيكية".
وذكر التقرير إن مات بروكس، الرئيس التنفيذي للائتلاف اليهودي الجمهوري، صرح بأن منظمته ستركز على استهداف أي مرشحين يدعمهم فوينتس. وأضاف بروكس: "علينا فقط ضمان ألا يتمكن أي منهم من تجاوز العقبات ويفوز بالانتخابات، لأن هذه هي الطريقة، كما رأينا في الجانب الديمقراطي، التي تمكنهم من التسلل إلى الحزب والسيطرة عليه".
وأشار بروكس، إلى جانب جمهوريين آخرين، إلى أن معاداة السامية لا تزال محصورة في هوامش الحزب الجمهوري. في مقابلات أجريت في القمة السنوية لقيادة الائتلاف اليهودي الجمهوري الشهر الماضي، قال النائب ديفيد كوستوف (جمهوري من تينيسي)، أقدم عضو جمهوري يهودي في الكونغرس، والنائب راندي فاين (جمهوري من فلوريدا)، وهو عضو جديد مؤيد بشدة لإسرائيل ويطلق على نفسه اسم "المطرقة العبرية"، إن معاداة السامية موجودة فقط على "هامش" الحزب الجمهوري.
خلال خطاب ألقاه في مؤتمر الائتلاف اليهودي الجمهوري، مال غراهام إلى الموافقة، وأشار إلى أن أي مرشحٍ للحزب الجمهوري يتبنى خطابا معاديا للسامية سيواجه تحديا من الحزب ككل.
وبحسب التقرير قال غراهام: "يمكنك الجلوس في قبو مع أشخاص غريبي الأطوار وقول أشياء غريبة. إنها دولةٌ حرة، أليس كذلك؟ لكن إذا ترشحتَ يوما ما كجمهوري، وتبنيتَ هذا الهراء الغريب، فسنقوم بتكسير رأسك".
ونقل التقرير عن غابرييل غرويسمان، أحد المتبرعين للحزب الجمهوري في فلوريدا، قوله إنه وكبار المتبرعين اليهود الآخرين يخططون "لبذل قصارى جهدنا لضمان عدم وصول هؤلاء الأشخاص إلى مناصب السلطة".
وقال غرويسمان، المحامي ورئيس بلدية بال هاربور السابق في فلوريدا: "بمجرد أن نرى شخصا بهذه الآراء يُعلن ترشحه، ستسمعون بالتأكيد مني ومن أصدقائي ومن حولنا، [بأي] مكبر صوت لدينا، نستخدمه لضمان عدم انتخابه".
وأشار التقرير إلى أن متبرعين آخرين أقروا بالمشكلة، لكنهم أقل يقينا بشأن كيفية مكافحة هذا المد المتصاعد، فقال المتبرع اليهودي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "للأسف، إن الحاجة إلى الفرز والتحقق الواجب بشأن 'هل أدعم شخصا معاديا للسامية أم لا' أكبر".
ولفت التقرير إلى أن مقابلة كارلسون مع فوينتس جاءت في أعقاب حوادث بارزة أخرى لمعاداة السامية في اليمين السياسي. في تشرين الأول/ أكتوبر، سحب بول إنغراسيا، المرشح لرئاسة مكتب المستشار الخاص، ترشيحه بعد أن تفاخر بـ"نزعته النازية" في رسالة نصية؛ وقبل أيام، أفادت بوليتيكو عن محادثة جماعية مسربة لشباب جمهوريين أشادوا بهتلر وسخروا من الهولوكوست. وفي الأسبوع نفسه، عثر على رمز نازي معلقا في مكتب للحزب الجمهوري في الكونغرس.
وأكد أن هذه الحوادث تأتي في خضم تحول سياسي محتمل بين يهود الولايات المتحدة. في عام 2024، حسن ترامب أداءه مقارنة بأداء عام 2020 في المجتمعات ذات الكثافة السكانية اليهودية العالية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك أحياء نيويورك مثل برايتون بيتش في بروكلين، وفقا لتحليل مجلة "تابلت"، وهي نتيجة وصفها المجلس اليهودي الجمهوري بأنها "تاريخية".
يشير استطلاع جديد أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بين الأمريكيين اليهود، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري ينظر إليهما الآن على أنهما ودودان على قدم المساواة تجاه اليهود. قبل خمس سنوات، كان الديمقراطيون يتمتعون بميزة صافية قدرها 15 نقطة في هذه المسألة؛ ارتفعت نسبة اليهود الأمريكيين الذين قالوا إن الحزب الديمقراطي غير ودود تجاههم بشكل كبير في ذلك الوقت، من 10% في عام 2020 إلى 31% في عام 2025.
وأشار إلى أن ترامب أشاد بمكاسبه الانتخابية بين الجمهوريين اليهود خلال رسالة فيديو عُرضت خلال قمة المجلس اليهودي الجمهوري الشهر الماضي، قائلا إنه فاز "بأعلى نسبة من أصوات اليهود بين أي جمهوري منذ عام 1988".
وبين أن الناخبين الأمريكيين يتغيرون في الوقت نفسه في نظرتهم لإسرائيل. وفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أيلول/ سبتمبر، فإن ما يقرب من 60% من الأمريكيين لديهم الآن نظرة سلبية تجاه الحكومة الإسرائيلية. وقد ازداد هذا الاستياء بشكل ملحوظ منذ عام 2022، عندما كانت أغلبية ضئيلة من المشاركين في الاستطلاع لا تزال تحمل نظرة إيجابية تجاه إسرائيل.
ويلمس هذا التحول بشكل حاد بين الجمهوريين الشباب: ففي السنوات الثلاث الماضية، قفزت نسبة الجمهوريين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما والذين لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل من 35% إلى 50%، وفقا لاستطلاع رأي آخر أجراه مركز بيو في وقت سابق من هذا العام.
وأنه مع بدء الحزب الجمهوري في التفكير في مستقبل ما بعد ترامب، من المرجح أن تلعب هذه المعركة دورا محوريا في السباق الرئاسي لعام 2028، عندما يسعى الورثة المحتملون إلى الحصول على دعم الناخبين والمانحين المؤيدين لإسرائيل. وصرح آري فلايشر للصحفيين في قمة مركز بيو للأبحاث الشهر الماضي بأن رد فعل المرشحين على معاداة السامية سيكون "إحدى القضايا التي ستحدد" الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري.
قال فليتشر، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في عهد الرئيس السابق جورج بوش الإبن وعضو مجلس إدارة: "سيكون عدد المرشحين للرئاسة كبيرا في الجانب الجمهوري، وسيبدأ ذلك فعليا في غضون عام تقريبا. سيتعين على جيه دي فانس أن يكسب مكانته كغيره، ولنكن فضوليين للغاية لمعرفة ما سيقوله".
وقال نك موزين، أحد الناشطين في الضغط السياسي والموظف السابق لدى كروز والسيناتور تيم سكوت (جمهوري من كارولاينا الجنوبية)، إن هناك "تواصلا كبيرا" مع فانس من جانب طبقة المانحين اليهود بشأن موقفه من إسرائيل.
وأضاف موزين: "إنه أحدث عهدا، وأصغر سنا، وليس لديه سجل حافل بالخبرة في إسرائيل. لذا، هناك شعور أقل بالراحة تجاهه، على الرغم من أننا نعمل بجد لبناء تلك العلاقات".
