أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بياناً مطولاً، برّر فيه قراره بقطع رواتب ومخصصات أسر الشهداء والأسرى.
وقال عباس في البيان الذي نشرته الرئاسة الفلسطينية، إنه ملتزم بما وصفه "البرنامج الإصلاحي الوطني الشامل"، وذلك في ظل تصاعد الجدل الشعبي والفصائلي حول قرار السلطة الفلسطينية المتعلق بإعادة تنظيم مخصصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وتحويل إدارتها إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي "تمكين".
ويعني هذا الإجراء عملياً تهميش دور هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير، والتي كانت تدير هذا الملف لسنوات باعتباره "ملفاً سياسياً ونضالياً بامتياز".
وقال عباس، إنه وبصفته رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبحكم أن المرحلة الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية "دقيقة وحساسة"، لا يمكن أن يتنازل عن تضحيات الشهداء والأسرى والجرحى، وعائلاتهم، معتبرا ذلك "التزاما وطنيا وأخلاقيا راسخا".
واعتبر محمود عباس أنه يتعرض لحملة تشويه، وتحريض على منصات التواصل الاجتماعي "لا تخدم المصلحة الوطنية العليا ولا تنسجم مع حجم التحديات المصيرية".
وقال إن قضية رواتب الشهداء والأسرى "ملف لا يجوز إخضاعه للمزايدات السياسية أو استخدامه لإثارة الانقسام أو المساس بالمؤسسات الوطنية الشرعية". وأوضح أن إصدار القرارات بقانون يتم حصراً ضمن الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة، وبما يراعي المصلحة الوطنية وحماية النظام السياسي الفلسطيني واستمرارية عمل مؤسسات الدولة.
وواصل عباس تبريره غير المباشر للقرار، قائلا إنه يأتي تنفيذا لبرنامج إصلاحي شامل يهدف إلى تحديث المنظومة القانونية والمؤسسية، وتعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، وضمان الفصل بين السلطات، إضافة إلى مراجعة القوانين الناظمة للحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها القوانين المتعلقة بالحوكمة المالية، والقضاء، ومكافحة الفساد، وتعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية.
وقال إن هذا القرار "جاء ضمن الرؤية الإصلاحية الهادفة إلى توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات، وفق معايير موضوعية ومهنية تحفظ كرامة المستفيدين".
كما شدد على أن مؤسسة "تمكين" هي مؤسسة وطنية تنفيذية لا تمتلك صلاحيات تشريعية أو سياسية، وأن تحميلها مسؤوليات خارج إطار دورها القانوني يُعد "خلطاً للأوراق وإضراراً غير مبرر بمؤسسة وطنية".
وكانت فصائل فلسطينية أدانت بشدة في بيان مشترك قطع رواتب عائلات الشهداء والأسرى، واعتبرت الخطوة "انحداراً أخلاقياً وسقوطاً وطنياً وقيمياً وخطيئة لا تُغتفر". ورأت الفصائل أن القرار يمثل سياسة خطيرة تعمق الانقسام الداخلي، واستجابة واضحة للإملاءات الخارجية، وخضوعاً لسياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وطالبت الفصائل بتحرك وطني وشعبي عاجل لحماية عائلات الشهداء والأسرى من المساس بحقوقهم، معتبرة أن القرار يأتي في وقت يتعرض فيه الأسرى داخل سجون الاحتلال "لأبشع الممارسات الوحشية والفاشية" التي تستهدف حياتهم وإنسانيتهم.
والشهر الماضي، أصدر عباس قرارا ألغى بموجبه منظومة الاستحقاق القائمة على صفة الأسير أو الشهيد أو الجريح، واستبدلها بنظام "بحث اجتماعي موحد" يحدد الاستحقاق وفق معيار الاحتياج فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار سنوات السجن أو طبيعة الإصابة أو الشهادة.
كما نص القرار على نقل برنامج المساعدات النقدية وقاعدة بياناته ومخصصاته من وزارة التنمية الاجتماعية إلى مؤسسة "تمكين"، وهي مؤسسة تُعنى بمكافحة الفقر ولا تمتلك مصادر تمويل ثابتة.
وتشير تقارير إلى أن هذه التعديلات تأتي استجابةً لشروط المانحين الدوليين وقانون (تايلور فورس) الأمريكي، الذي يشترط وقف صرف الرواتب بصفة نضالية مقابل استئناف الدعم المالي المباشر للسلطة.
وقانون "تايلور فورس" أقره الكونغرس الأمريكي عام 2018 إبان حقبة دونالد ترامب الأولى، ويقضي بوقف المساعدات المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية ما لم تتوقف عن صرف مخصصات للأسرى الذين أدينوا بتنفيذ عمليات، أو لعائلات الشهداء.
ويُعد هذا القانون المحرك الرئيسي للضغوط الدولية الحالية، حيث تتبنى دول أوروبية ومنظمات مانحة معايير مشابهة، تصف تلك الرواتب بأنها "مكافآت على العنف".
