بكل وحشية تنتزع الملابس كما الإنسانية، وتقيّد اليدان كما القيم، وتجر الأجساد المعراة على الأرض بكل قسوة من غرفة السجن إلى الساحة، كل ذلك لأسير مشلول لا يقدر الحراك حتى ليقضي حاجته. تتعالى الصرخات يوماً فلا مجيب، وتتداعى الأيام كأن دوي آلام كل يوم زيادة في الألم لليوم الذي يليه، تجتمع الشهور والسنوات والمرض ينهش الجسد، ولا تجد الصرخات مأوى لها إلا صمت الموت. الأسير المحرر أكرم الريخاوي عايش 16 أسيراً فارقوا الحياة داخل سجن مستشفى الرملة والذي مكث فيه تسع سنوات ينقل لمراسل "[b][color=red]فلسطين الآن[/color][/b]" مشاهد الموت، وأصوات الآلام، وعمق المعاناة. سجن مستشفى الرملة "لا يرقى أن يكون شبه عيادة" كما يقول الريخاوي، سوى أن الأسرى اصطلحوا عليه مستشفى لأنه يخص المرضى، لا يختلف عن غيره من الأقسام بظلمها وتعسفها بحق إنسانية الإنسان، لتجد فيه غرفة طولها 5 متر بعرض 6 متر تضم عشرة أسرى فيها مطبخ ودورة المياه لأناس مرضى بعضهم مشلول. 15 من الأسرى المرضى الثابتين تركهم الريخاوي قبل الإفراج عنه يقوم عليهم طبيب واحد من الراسبين في امتحانات القبول في "إسرائيل" ، يعمل كضابط أمن ومخابرات متجرداً من إنسانيته حتى أنه يبتز المرضى في علاجهم مقابل أن يتعاونوا مع الاحتلال في تجارة بآلام البشر، ولكن " إرادة الأسرى الفلسطينيين أعلى وأسمى من هذه الإغراءات " كما يقول الريخاوي. هؤلاء الأسرى المرضى يساعدهم الآن الأسير إياد رضوان من طولكرم ، شخص واحد يساعد أكثر من 15 مريضاً، لتتخيل أنه يريد إدخال تسعة مشلولين لدورة المياه لقضاء حاجتهم كل صباح. [title]إهمال حتى الموت[/title] الإهمال الطبي يتعمده الاحتلال بتأخير التشخيص، فالأسير الذي يعاني من الألم لا يتم الفحص له إلا بعد سنوات، فيتملك المرض الجسد حتى لا يجدي معه علاج. يقول الريخاوي: "عشت في مستشفى سجن الرملة ما يقارب تسع سنوات، فالأسير الذي يحتاج عملية فتاق ينتظر موعد للعملية ما يقارب السنتين وذلك مرض بسيط، فكيف بالأمراض الخطيرة؟". الأسير زهير لبادة الذي استشهد بعد الإفراج عنه بعدة أيام بسبب الإهمال الطبي حيث كانوا يتأخروا عليه في غسيل الكلية المقرر أن تكون ثلاث مرات في الأسبوع مما أدى فشل الكبد في العمل، وأفرجوا عنه بعد أن قالت لجنة طبية أن هذا الرجل سيموت بعد عدة أيام. "عندما نادينا على إدارة السجن لإخراج الأسير جمعة الكيالي إلى العيادة تأخروا حتى فارق الحياة". "مشاهد مؤلمة إذا تذكرتها دمعت المشاعر والقلب من الأسى الذي يعيشه الأسرى المرضى في سجن الرملة والكلمات تعجز أن تعبر عن الألم"، هكذا وصف الريخاوي. ميسرة أبو حمدية كان يعاني من الألم وبعد ست سنوات اكتشف عنده السرطان ولم يتم علاجه بصورة صحية وفقد الحياة. يقول الريخاوي:" عايشت ما يقارب 16 حالة فارقوا الحياة في السجن معظمها كان سرطان"، مؤكداً أن الأسير محمد ردايدة من طولكرم تم اغتياله بشكل مباشر بعد ثلاثة أيام من اعتقاله من قبل المخابرات الإسرائيلية حيث كان في حالة سيئة جداً عند اعتقاله وهو مصاب. [title]مشاهد من المعاناة[/title] " كنا ننام على آلام هؤلاء ونستيقظ أيضاً على صرخاتهم وآلامهم"، عبر الريخاوي عن معاناتهم بهذه الكلمة. الأسير خالد الشاويش المشلول نصفياً كان يأخذ نوع من الدواء المخدر بمقدار 20 مل وبعد 4 سنوات أصبح يتناول 120مل وكأنه إدمان، "ولا يستطيع أن يجلس ساعة واحدة دون ألم". تحاول إدارة السجون إعطاء المريض أنواع مخدرة من الأدوية ليفقد عقله وثقته بنفسه وكل معاني الإنسانية، والطبيب يستريح وتزيد الألم والدواء بلا فائدة، "هناك 20 حالة في قمة الألم والمعاناة، وكلماتي لا تعبر وما زلت إلى اليوم متأثر بهذا الأمر". يذكر الريخاوي أن وحدة "الناخشون" داهمت القسم وعروا جميع الأسرى خاصة الذين يضعون الكيس البولي وتم فكها عنهم وهم عراة، منظر أراه أمامي "مرضى مشلولين ينزعون ملابسهم عنوة وبشكل وحشي وكأنك ترى عملية اعتقال لإرهابي من بيته، ويأخذونهم من غرفة السجن إلى الساحة مقيدين اليدين من الخلف ويسحبون على الأرض بشكل وحشي جداً، مشاهد لا يمكن أن أنساها". "الإنسان أهم شيء في الكون، الأقصى سيبقى وسيحرر، ولكن الأسير إذا مات لن يعود، وعلينا أن نعمل للإفراج عنهم ولو كان الثمن من حياتنا وحياة أبنائنا " كلمات قالها الريخاوي والدموع تحتبس في عينيه، وهي تصرخ من لهـــؤلاء.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.