كان خربوش يحمل مصباحا جديدا اشتراه من السوق عندما التقى صديقه عبد الرحمن، كان شارد البال لا يصغي إلى ما حوله من ضوضاء، بينما كانت الابتسامة الحانية تعلو وجه عبد الرحمن، الذي قال: - أراك تحمل مصباحا في النهار، وتدور في السوق بين الناس كأنك تفتش عن الرجل! - أي رجل؟ - ألست تبحث عن شيء ما؟! وجهك يوحي بالحيرة والتساؤل! - أبداً، كنت عند البائع، ولمّا نقدته ثمن المصباح قابلت رجلا أشعث أغبر، لمّا رأى المصباح في يدي قال: "أي المصابيح اشتريت؟ مصباح علاء الدين أم مصباح أديسون؟!" ومضى بين الناس، فخرجت ذاهلا أفتش عنه حتى أفهم ماذا قصد بسؤاله الغريب! - إذاً قد خرجت تفتش بالفعل عن الرجل! - نعم، ولكني لم أجده... - ولم يجده الفيلسوف حامل المصباح في وضح النهار، لكنك أسعد حالا منه، فأنت رأيته للحظات، ومنحك حكمة السؤال... - أنا أريد الجواب لا السؤال. - مصباح علاء الدين مستمد من الثقافة العربية في حكايات ألف ليلة وليلة، وهو دال على جموح الخيال من جهة الإيجابية، ودال على العجز المعتمد على المعجزات الكبرى في حل المشاكل من جهة أخرى! - أفصح قليلا هداك الله! - علاء الدين شخصية خيالية اختاره أحد السحرة لصغر حجمه، حتى يدلف من فوهة نفق ليحضر له مصباحا قديما بالداخل، ورفض علاء الدين إعطاءه المصباح إلا بعد أن يخرج من النفق. غضب الساحر، وأغلق النفق عليه. فرك علاء الدين المصباح مصادفة، فخرج له العفريت قائلا: شبيك لبيك، عبدك بين يديك، اطلب تُطع. فطلب الخروج من النفق، وطلب أشياء كثيرة بعد ذلك، أهلته للزواج من ابنة السلطان! - يا سلام... آه لو كان معي مصباح علاء الدين، لفعلت الأعاجيب! - ذلك مصباح علاء الدين، أما مصباح أديسون، فهو المصباح الكهربائي الذي اخترعه بعد ما يزيد عن ثلاثمائة محاولة، ولمّا سألوه: ألم تيأس؟! قال مبتسماً: بالعكس كنت سعيدا لأنني اكتشفت ما يقارب ثلاثمائة طريقة لا تقود إلى صناعة المصباح الكهربائي! - عندنا الثالثة ثابتة! - وعندنا بثقافة الحلم العاجز وقصر النفس ما كان يمكن أن يُصنع المصباح الكهربائي! - لحظة! أنت تمجد الثقافة الغربية وتقلل من شأن الثقافة العربية! - تلك المقولة تحرف الكلام عن مواضعه! ثقافة العمل الدءوب الذي لا يعرف اليأس هي ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ بها... وثقافة الحلم الواسع والخيال الجامح التي تقود إلى العمل الجاد من أجل تحقيق الحلم ليست مدانة، لكن المدان هو العيش في عالم الأحلام والاستسلام لها دون حصول خطوة عملية واحدة. - لماذا اخترت المثال الإيجابي من الثقافة الغربية فقط؟! - يا رجل، لديك مئات الأمثلة على رجال مسلمين مثل أديسون، لكن القصة بدأت من كلام صاحبك الأشعث الأغبر، وأنا لم أكن إلا شارحا لكلامه الذي حيرك... دعك من الاتهام السريع، واترك الاهتمام بالفرعيات، الموضوع أكبر بكثير مما تسأل عنه... - ماذا تقصد؟ - يا صاحبي صديقك الرجل الأشعث الأغبر طرح عليك السؤال: " أي المصابيح اشتريت؟ مصباح علاء الدين أم مصباح أديسون؟!"... وأنت لم تدرك معنى سؤاله، كأنه يقول لك: إلى أين وصلت بطريقة تفكيرك؟ هل ما زلت تهتم بالشكليات أم بجوهر الأشياء؟ هل تركت منطق الحلم العاجز أم ما زلت غارقا فيه؟ هل وصلت إلى التفكير العملي الذي لا يعرف الكلل حتى يصل إلى النتائج الإيجابية أم ما زلت بعيدا عن ذلك؟ - هه... - تلك المصابيح رموز لها دلائل، والمصباح الأكبر نور الله، أساله أن يهدينا ويهديك إلى ما فيه الصواب: " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"(النور: 35). والسلام،،،
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.