في عام 1986 انفجر المفاعل النووي "تشرنوبل" في الاتحاد السوفييتي السابق، وقد تسربت الإشعاعات النووية إلى مناطق بعيدة جداً عن موقع المفاعل الموجود على الأراضي الأوكرانية، وكانت "أوروبا الشرقية_سابقاً" هي الأكثر تأثراً بالإشعاعات النووية ولذلك فقد أعلنت باقي دول العالم وقف استيراد المنتجات الزراعية والسمكية منها، وحينها غصت أسواق الدول الاشتراكية بما لذ وطاب من الخضار والفواكه التي لم يروها في حياتهم وأقبلوا على أكلها غير آبهين بما قد يحل بهم نتيجة التلوث الإشعاعي، فقد كانت تلك الشعوب محرومة من خيرات بلادها من أجل تصديرها حتى تجني حكوماتهم العملة الصعبة دون أن تخفف عنهم المعيشة الصعبة. لا أدري لماذا تذكرت تلك الحادثة التي مضى عليها أكثر من 25 عاماً بمجرد أن وافق البرلمان الأوروبي بالأمس على اتفاق تجاري مع الأراضي الفلسطينية، يسمح بموجبه بالتصدير المباشر للأسماك والمنتجات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، دون تدخل إسرائيلي ومع إعفاء من الرسوم الجمركية باستثناء الخضار والفواكه. تعد المنتجات الزراعية هي أساس التغذية للأسرة الفلسطينية أما اللحوم والأسماك فهي رفاهية أو ربما أحلام بالنسبة لشريحة واسعة في المجتمع الفلسطيني، بسبب الفقر والغلاء الفاحش في الأسعار. قد يحدث تذبذب في أسعار المنتجات الزراعية في بلدان العالم ولكن في فلسطين ليس هناك تذبذب، فإما ارتفاع خرافي وإما انخفاض جنوني وهذا يعني أن الوضع غير سليم على الإطلاق. كثيراً ما نسمع بـ"مرافعات" دفاعاً عن الصناعة الوطنية والمنتجات الوطنية وضرورة دعمها، فصانع الأحذية ومزارع الزيتون على سبيل المثال يحاربان الاستيراد، فالأول يزعم بأن الحذاء الصيني مؤذ ولا يعمر ويسبب السرطان، والآخر يقول إن الزيت الأسباني منزوع الفائدة ويسبب السرطان، فكل شيء مستورد بالنسبة لهم يسبب السرطان، ولكن ماذا نقول للذي لا يملك ثمن الحذاء الفلسطيني والزيت الفلسطيني، أبناء أوروبا الشرقية أقبلوا بنهم على الفواكه التي حرموا منها رغم علمهم أنها ما عادت إليهم إلا لتلوثها بالإشعاعات. أنا سعيد جدا بقرار البرلمان الأوروبي لأن المزارعين كغيرهم من فئات الشعب الفلسطيني يستحقون الحياة الكريمة بعيداً عن أموال الدول المانحة، ولكنني للأسف أجد "الوطنية" تختفي حين يخرج المزارع أو الصانع من أزمته المالية، وكذلك فإن ظاهرة استغلال الشعب موجودة عند كثيرين من أصحاب الصناعات والمنتجات الوطنية، ويظهر ذلك جلياً في الصناعات الدوائية، ولذلك يجب ضبط عملية التصدير حتى لا يحرم المواطن من خيرات بلاده بفقدانها أو بارتفاع أسعارها بشكل خيالي، حيث إننا نعلم أن التصدير لا يكون بشكل فوضوي ولكن بتوفير حاجات السوق المحلية أولا ومن أجود الأصناف ثم يتم تصدير الفائض للخارج.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.