لا يستغرب أحد من الناس حين يرى الأمل في عيون من تبقى ممن عايشوا النكبة ، فرغم ماحل بهم من آلام امتدت لأكثر من ثلاثة وستين عاماً إلا أنهم لا زالوا يتمسكون بشعاع الأمل الذي يسطع من شمس الحق الفلسطيني التي تجري في مجرة أعدل قضية عرفتها البشرية . فهجرة النكبة وأخاديد الجروح التي حفرت في وجوههم وأجسادهم ونفسياتهم ، وما تلاها وسبقها من مجازر مروعة ، وما جاء من نكسات وحروب ، جعلت من فلسطين كلها في يد بني صهيون ،ونزعت عن هذه الأرض هويتها الإسلامية وصبغتها العربية . كل هذا وغيره دون سرد لم يفت في عضدهم ، ففلسطين لا تزال تعيش في قلوبهم ، وتعشش في عقولهم وذاكرتهم التي قد تفقد كثيراً من سلامتها لكنها تكون في أوج سلامتها وقوتها عندما يتعلق الأمر بالأرض والكرم ، عندما يتعلق باسدود وصفد وحمامة ويبنا وحيفا ويافا والمجدل وغيرها وغيرها من الأرض المسلوبة . قد يقول قائل مالذي دعاك للكتابة في هذا الموضوع في هذا الوقت؟، وباختصار أحدثكم الحكاية ، فقد كنت أمس في طريق العودة من مدينة غزة ، أشار للسيارة التي أستقلها رجل كبير في السن أظنه قد تجاوز 75 عاماً ، أشار للسائق وقال له " البوليس الحربي" ، السائق عرف المكان فقد كان يقصد مفترق ما كانت تعرف بمغتصبة نتساريم ، ركب الحاج السيارة هنا سألت الحاج عن مكان البوليس الحربي فقال لي عن مكانه . هنا أحس الحاج بألم وبدأ يتكلم عن جهل الشباب بأرضهم وتاريخها ، ويتحدث عن استهتارهم بقضية العودة إلى ديارهم ، مستذكراً عديداً من الحوادث التي تعبر عن يأس الشباب من عودتهم إلى ديارهم . لم ينه الحاج حديثه عن (البلاد والأرض والكرم) وحياة القرية الهادئة الوادعة إلا حين وصل المكان المراد وقال لي بابتسامة "هي البوليس الحربي يا ابني" ابتسمت له وذهني مشغول بحديث الحاج السبعيني عن يأس الشباب وتدور فيه أسئلة كبيرة ما الذي أوصل شبابنا إلى هذه الحالة من اليأس ؟ وما الذي جعلهم يرون فلسطين حرة إسلامية عربية حلماً بعيد المنال ؟ ومن هو المسئول ؟ لم أبتعد كثيراً في التفكير ، فالإجابة على هذه الأسئلة كانت حاضرة في ذهني ، فالناس وقبل اتفاقية أوسلو كانت بيوتهم على ما هي لم تتغير منذ النكبة إلا القليل ، لكنها بعد قدوم السلطة إلى غزة والضفة وبعدما بدأ اليأس يدب في أوصال الناس ، وأخد الناس يعمرون في دولتهم الجديدة التي تبتعد عن حيفا ويافا واسدود والمجدل ويبنا ، بدأت معها ترتفع الأبنية وتتعدد الطبقات. نعم عملية التسوية المهينة أهانت حلمنا في العودة إلى ديارنا واستعادة أرضنا ، لكنها لم تستطع إهانة العزيمة في قلوب الكبار كأمثال الحاج الذي قال لي " من يأس من عودة فلسطين ولم يكن متأكداً أنها ستعود إلى الإسلام فقد أنكر شيئاً من القرآن الكريم والسنة المطهرة ". لذلك أيها الشباب لتجعلوا الأمل يقودكم ، ولتزداد الهمة ، ولتعلوا لتناطح بعزائمكم القوية القمة ، ولتجعلوا من قرآن ربكم وسنة نبيكم ، وسنن كون خالقكم ، علامات تدلكم على فلسطين كل فلسطين أرض للطهارة والقداسة والإسلام ، أعلم أن منكم المجاهدون الذين علموا الصهاينة دروساً في الصمود والمقاومة والثبات ، أعلم أنكم من أسقطتم نظرية الكبار يموتون والصغار ينسون إلا أن المأمول منكم أكبر ، فأمتكم اليوم تتحرك بنفسكم ونفس صمودكم فكونوا على قدر المسئولية ، وبوركتم وبورك فيكم .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.