20.18°القدس
19.86°رام الله
19.66°الخليل
25.32°غزة
20.18° القدس
رام الله19.86°
الخليل19.66°
غزة25.32°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

مسيرة تحدي وعطاء...

خبر: غزة..كلما تألمت أكثر تعلمت أكثر

عائلة "الدلو" عائلة فلسطينية من عشرات العائلات، حولتها صواريخ "إسرائيل" إلى أشلاءٍ متناثرة خلال ثلاثة حروب إسرائيلية على غزة، "وهدى" بنت عامين لم تجد دواءً يداوي مرضها فماتت شاكية ظلم الإنسانية، و"أحمد" الشاب بحث عن رزقه كعامل في أحد الأنفاق الحدودية، فكان قبراً له بعد أن انهار عليه، وشمعة أشعلتها عوائل غزية في بيوتها عوضاً عن الكهرباء المقطوعة، فأحرقتهم ومنازلهم. حالات تختصر ألوان الموت في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الواقع منذ أعوام سبعة . لا ذنب لهؤلاء سوى أنهم بحثوا عن الحرية من بوابة "الديمقراطية "وإن كنّا شعب تحت احتلال "إسرائيل"، توجهوا عام 2006 إلى صناديق الاقتراع، للتعبير عن إرادتهم في انتخابات شهد العالم بنزاهتها ، ورغم شهادة النزاهة هذه تنكر من يقولون إنهم دعاة الديموقراطية للخيار الديموقراطي، فكان الحصار الإسرائيلي المخالف لأبسط حقوق الإنسانية. [title]ألوان الموت [/title]بدأ الحصار الإسرائيلي بإغلاق المعابر التجارية الثلاثة المخصصة لإدخال البضائع والمستلزمات الأساسية للسكان الغزيين(كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، وناحل عوز في الوسط ، وإيرز في الشمال) حتى حليب الأطفال وألعابهم تم حجزها، ودواء المرضى تم منعه. اشتدت لسعات الحصار القاتلة على مسمع ومرأى من العالم المتحضر، أَغلق معبر رفح جنوب قطاع غزة، إبّان حكم حسني مبارك، فحُرِم أكثر من مليون ونصف مواطن من التنقل خارجاً ، وأَغرقت غزة في ظلامٍ دامس بعد أن قصفت طائرات "إسرائيل" محطة توليد الكهرباء الأساسية ومنعت دخول السولار الصناعي المشغل له بتواطؤ مع الاتحاد الأوروبي. انعكس ذلك سلباً على كل مناحي الحياة في غزة، أَغلقت المصانع أبوابها ،كثرت البطالة ، وتأثرت المشافي سلباً ، فكثر الموت وزاد ، نتيجة انقطاع بل انعدام الكهرباء ونقص الدواء ، حيث توفي أكثر من 400 مواطن ومواطن ما بين طفل وشاب وامرأة ومسن، حسب احصائية رسمية لوزارة الصحة في غزة. ولم ينحصر الموت في المشافي على أسرة الشفاء، بل انتقل إلى بيوت الآمنين، إما بقصف إسرائيلي أو بحريق يأتي على البيت وما فيه، ذلك أن المواطنين لجأوا إلى اشعال الشموع لإنارة بيوتهم عوضاً عن الكهرباء المقطوعة ، وفي كثير من المرات ، أدى خطأ في استعمالها إلى اشتعال النيران فتأتي على البيت وما فيه، ووصل عدد ضحايا احتراق البيوت بسبب أزمة الكهرباء منذ بداية 2013 وحدها إلى 11 ضحية. حتى مَنْ قدموا من أحرار العالم ومحبي الإنسانية إلى غزة للتضامن مع أهلها المنسيين، وتزويدها بالغذاء والدواء والكساء تعرضوا للقتل، وما مجزرة سفينة "مرمرة" التركية التي ارتكبتها "إسرائيل" في عرض بحر غزة قبل ثلاث أعوام وقَتل فيها تسعة متضامنين أتراك إلا صورة مصغرة لجرائم "إسرائيل" ضد الإنسانية. وصلت صرخات النساء والأطفال والمرضي إلى ربوع الدنيا، ولا مجيب، صمت الكل "عرب وعجم" صمت القبور، على أمل أن ترفع غزة الراية البيضاء وتعترف بعدو إسرائيلي اغتصب الأرض وسرق خيراتها وقتل أطفالها ونساءها وانتهك حقوق الإنسان حتى الحجر والشجر والحيوان لم يسلموا من أذى وبطش الإسرائيليين وقطعان المستوطنين. [title]صمود وتحدي [/title]مرّ العام الأول وتبعه ثانٍ وثالث والحال كما هو، الموت والفقر في ازدياد بفعل الحصار اللا إنساني. "إلا أنه كما " الحرة تموت ولا تأكل بثديها" ، كذلك فعلت غزة، رفعت شعاراً وقولاً واحداً " الجوع لا الركوع، الموت ولا المذلة" ، لم يستسلموا للواقع الإنساني والسياسي والاقتصادي المرير ، بدأ الشعب الغزي معركة كسر الحصار بأيدهم عبر حفر أنفاق تحت الأرض على طول الحدود بين رفح جنوب قطاع غزة ومصر الدولة العربية الشقيقة ، تجاوز عددها المئات بعد سبعة أعوام على الحصار الإسرائيلي الذي ما زال مشرعاً في وجه الغزيين. هذه الأنفاق الحدودية، وُجدت كحالة استثنائية للتغلب على الحصار الإسرائيلي، كانت وما زالت بمثابة شريان للحياة ورئة يتنفس منها "الغزِّيون" الذين حُرموا أبسط مقومات الحياة الإنسانية ، أدخلوا عبرها حليب الأطفال ودواء المرضي ومولدات الكهرباء ومواد البناء، بدأت الحياة تدب في الجسد الغزي المنهك جراء الحصار الإسرائيلي الظالم . لم يرق للاحتلال الإسرائيلي هذا الحال، فلجأ إلى إعدام شريان الحياة هذا، عبر القصف المتكرر لها ومن خلال نظام مبارك قبل الثورة في مصر، الذي أقام جداراً فولاذياً وأغرقها بالمياه العادمة والغازات السامة الأمر الذي أدى إلى وفاه أكثر من 232 عاملاً 20 منهم بسبب القصف الإسرائيلي والباقون جراء انهيارها وإصابة 597 آخرين حسب احصائيات رسمية لمراكز حقوقية. واصل الفلسطيني عناده، لم يكترث للموت بألوانه المختلفة، فمن تحت ركام البيوت المدمرة واصل البناء ، وحرك عجلة الحياة وصنع المستحيل من لاشي ، فهو الذي حُرِم من كل شيء إلا الإرادة والعزيمة، فكان أن استخدم "زيت الطهي" في تشغيل سياراته ومركباته عوضاً عن الوقود الممنوع توريده لغزة، واستخدم "نيران الحطب" كبديل عن "غاز الطهي"، كثرت التحديات فكان المواطن الغزي أهلاً لها ،فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. استمر حال غزة هذا طيلة أعوام سبعة، تعرضت غزة فيها لثلاثة حروب إسرائيلية أودت بحياة المئات من المدنيين في جرائم تندى لها الإنسانية، وفق ما أروده تقرير جولدستون الدولي ورغم ذلك لم يحرك أحد ساكناً. [title]أمل رغم الألم [/title]ورغم مرارة الألم تعلق المواطن الفلسطيني في غزة ببصيص أمل، ربما يأتي في نهاية هذا النفق المظلم، من حصار وحروب جرت بفعلها دماء الغزيين أنهار وأودية، تمنى وأمِل الفلسطيني في غزة لو أنّ إرادته وعزيمته في تحدي الحصار ولسعاته القاتلة تُحيي إرادة شعوب طال صمتها . لم يعد ينتظر تحرك أنظمة كانت سبباً بشكل مباشر أو غير مباشر بما هو فيه، كله أمل بعد الله في شعوبٍ تنتفض وتسترد حريتها من أنياب حاكمها الجلاد ، هذا الأمل كان يكبر ويكبر كلما زاد ألم الغزيين وكبر الجرح ، فالفجر لا يأت إلا بعد أشد ساعات الليل حلكة، طال انتظار الفرج لكنه جاء ، صار الحلم علم وواقع يتغير بوتيرة متسارعة. كانت البداية من تونس مهد الثورات، وتحركت عجلة التغيير سريعاً إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا حيث ما يزال جرحها لم يندمل بعد، وكان اللافت في كل مظاهرات الشعوب الثائرة هذه ، أنها هتفت لفلسطين ولشعب غزة خاصة، مثّل ذلك دافعاً جديداً للغزيين للتحدي وعدم الاستسلام. نسي الغزِّيون آلامهم وجراحاتهم، والتفتوا إلى الشعوب الحرة وهي تنتفض على حكام وأنظمة ظالمة لشعوبهم باستبدادهم وشعب فلسطين بصمتهم المقيت المعيب، خاصة في مصر الجار القريب لغزة والتي كانت في عهد مبارك أقرب للعدو منها، إذ نال الغزِّيون من أذاه وبطشه مثلما نال أشقاءهم المصريين. [title]ربيع غزة أزهر [/title]انعكست الثورات ايجابياً على حياة الغزيين، خاصة الثورة المصرية بحكم الجوار، فكانت أولى ثمارها قرار المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد سقوط مبارك بفتح معبر رفح المنفذ الخارجي الوحيد لسكان قطاع غزة، ما شكل بارقة أمل جديدة أمام تهاوي جُدُر الحصار الإسرائيلي التي جثمت على أجساد الغزيين بلا رحمة ولا مراعاةٍ لطفل أو امرأة أو مسن. كانت غزة في نظر كثير من المراقبين ،ملهمة الشعوب الثائرة والتي خصت غزة في كثير من مظاهراتها بالهتاف لصمودها وحديها الجبروت الإسرائيلي والظلم الإنساني ، بل شكلت غزة قبلة الباحثين عن العزة والكرامة المفقودة ، جاءت الوفود من كل البلاد الثائرة وغيرها وقدمت القوافل الإنسانية تضم الأحرار من شتى بقاع المعمورة ممن أحبوا الانسانية والحرية تأكيدا على تضامنهم مع شعب تُرك وحده يواجه الحصار والحرمان طيلة سبع سنوات عجاف. لم يقتصر الأمر على المشاركة الشعبية، إذ وصل غزة وفود رسمية عديدة، لم تتجرأ في السابق قبل الثورة المصرية على القدوم ، لما كان ينتظرها من المضايقة والملاحقة الأمنية من قبل المخابرات وجهاز أمن الدولة الذي كان يأتمر بأوامر مبارك. تغيرت المعادلة بعد الثورة، جاء المسؤولون على مختلف المستويات من كل حدب وصوب، كان أبرزهم أمير دولة قطر ورئيس وزراء مصر وماليزيا ووزراء الخارجية العرب الذي دخلوا غزة أثناء الحرب الأخير أواخر سبتمبر الماضي، إذ زاروا المشافي ورأوا بأم أعينهم كيف تعدم براءة الأطفال وتقتل النساء العزل بلا دم اقترفوه سوى أنهم يطالبون بالحرية والعيش بكرامة كما تعيش الإنسانية. كل ذلك غيّر مسار الأحداث في صالح غزة التي كانت تداوي جراحاتها وحدها ، أصبحت الآن بفضل الثورات التي انتفضت على الظلم الإنساني، محمية بالشعوب الثائرة وحكامها الجدد، وبرز ذلك واضحاً في الحرب الإسرائيلية الأخيرة أواخر سبتمبر 2012، التي سجلت غزة انتصاراً في سبعة أيام وأجبرت "إسرائيل" على وقف عدوانها. كل هذه التغيرات على ساحة غزة كانت بمثابة انتصار سياسي لم يرده المحاصرون لها ، انعكس ذلك إيجابياً على الوضع الإنساني ، دخل الدواء والغداء وقلَّ الموت الذي انتشر في كل بيت وحارة وشارع في غزة ، تحسن الوضع الصحي في المشافي ، فبمقارنة بسيطة لأعداد الضحايا من المرضى خاصة هذه الأيام بسابق الأعوام تكاد لا تذكر، فلم يعد مرضى الكلى والقلب يموتون لنقص الدواء وقلة الامكانيات الطبية كما كان في السابق، جاءتنا الوفود والمستلزمات الطبية التي ساهمت في انقاذ حياة العشرات تهددهم الموت في أي لحظة. على الصعيد الاقتصادي ، تحركت عجلة البناء والإعمار لإيواء عشرات المشردين من بيوتهم التي دمرتها "إسرائيل" ، افترشوا لسنواتٍ الأرض في العراء، والتحفوا السماء ، إذ تم الانتهاء من بناء حييْن سكنييْن بدعم من السعودية لعشرات العائلات وتبرعت قطر بأكثر من 450 مليون دولار لمشاريع اسكانية وتعبيد شوارع وبنى تحتية بدأ العمل بها ،هذا فضلاً عن الجمعيات الخيرية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية التي زارت غزة وانتشلت كثير من العائلات المستورة من وحل الفقر والحاجة. ساعد على ذلك حالة الأمن والأمان التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة ،بفضل يقظة الأجهزة الأمنية وعدم تساهلها مع أي محاولة للفلتان الأمني ، فلا خطف لزائر أو ضيف أو مواطن عادي ولا قتل لأحد سوى القتل الذي يأتينا من الطائرات الإسرائيلية . كان لهذا أثر على البطالة التي اجتاحت البيوت الفلسطينية في غزة ، إذ تدنى مستواها عما كانت عليه مع بداية الحصار ، وساهمت المشاريع المقامة الآن في غزة في تشغيل مئات العمال وسترت بذلك عائلات آذاها الفقر والتشرد بفعل الحصار الظالم. ورغم التغير الواضح على حياة الإنسان في غزة إلا أن "إسرائيل" تتعمد في كثير من المرات إعادة الأحوال الإنسانية إلى ما كانت عليه في السابق ، فتارة تغلق المعابر التجارية التي تم فتحها بعد ضغوط دولية وعربية وشعبية خاصة بعد ثورات الربيع العربي وتارة أخرى تمارس القتل الممنهج كلما رأت في ذلك مصلحة لها. هي غزة إذن مدينة تعج بالحياة، رغم أن البعض يعتبرها مدينة تعشق الموت ، هذا ما يعتقده من لم يزر غزة، لكن من زارها يكتشف أن من شدة وفرط عشق أهلها الحياة والحرية والكرامة، فهم مستعدون لتقديم الموت على الحياة . تجد في غزة قوماً يعشقون الحياة، سادة في فن ابتكار واجتراح وابتداع كل ما من شأنه استمرار الحياة بحرية وكرامة.هكذا يقول زوار غزة. "فأهل غزة ليسوا بالعاديين هم ثوار قبل أن يخترع التاريخ الثورات…فهي مدينة كلما "تألمت أكثر تعلمت أكثر". هذا ما يقوله عنها النشطاء والمدونون. غزة هي نموذج يحتذى به في الثورات العربية والنضال والحريات والتنظيم والإدارة ، هذه المدينة الصغيرة هي القدر المصغر لجميع الدول العربية فالذي تعانيه وستعانيه الدول العربية على مر التاريخ الحديث، تلخصه غزة بعقود قليلة، وتتبعها بالمصير ذاته جميع دول العرب. إنها أشبه بشمعة تحترق لأجل أن تنير للأخرين طريق العزة والكرامة والحرية الإنسانية.