قيل في مؤسسة الأهرام لإدارة إحدى الصحف المستقلة التي كانت على وشك المصادرة إن "سيادة العميد" قرأ الموضوع ولم يجزه. سيادة العميد أو سيادة الملازم الأول أو الباش شاويش أو حضرة الصول.. تعبيرات اختفت من دور الصحف منذ أوائل عهد الرئيس الراحل أنور السادات. رؤساء التحرير الذين كانوا يؤجلون الطبع لأن "سيادة العميد" أو أي رتبة أقل أو أكبر رفض موضوعا معيناً.. كلهم الآن في رحاب الله. فقد مضى زمن بعيد على هذه العاهة التي كانت توصم بها حرية الصحافة في مصر.. وها هي عادت على قدم المجلس العسكري! حظ رؤساء التحرير من الجيل الحالي أنهم صاروا مرءوسين لسيادة "العميد الغامض" الذي ربما لم يروه.. فالماكيتات ترسل إليه ليطالعها ويؤشر بقلمه الأحمر أو الأزرق أو الأسود من قرن الخروب.. لا فرق. وما نسمعه ولم يعد همسا أن الصحف قبل صدورها للقارئ تعيش حالة مخاض عسير.. تبدو وكأنها دخلت امتحانا وتنتظر النتيجة.. فعلامة موافق من "سيادة العميد" تعني أنها نجحت وفي طريقها للمطبعة ثم للقراء.. وعلامة (إكس) على صفحة أو موضوع أو مقال.. تعني أن عليها دخول ملحق.. دور ثان يعني.. وتحضير بديل للمحذوف! أما إذا رأى سيادة العميد أن الصحيفة كلها "ميح" فعلى جميع المحررين من أصغرهم إلى أكبرهم أن يعودوا فورا لتحرير "عدد" بديل من الألف إلى الياء قبل منتصف الليل حتى تخرج الصحيفة للقراء من غير ضجيج.. وحتى لا تبث وسائل الإعلام خبر مصادرتها! في خلال أسبوعين تعرضت صوت الأمة والفجر وروز اليوسف لاختبار "الملحق".. لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام تتعلق بروزا.. فهي أول صحيفة قومية أو (حكومية) تتعرض لخطر المصادرة. لذلك كله خرجت بعض الأعمدة أمس بيضاء إلا من توقيع كتابها احتجاجا على ما يفعله سيادة "العميد" الغامض بسلامته في حرية الصحافة. وكان ذلك بالفعل خبرا في أرجاء الدنيا مثيرا لاهتمام وسائل الإعلام العالمية.. فها هي مصر بعد ثورة يناير تعود القهقرى لعصر صلاح نصر ولسنة أولى صحافة! كأن المجلس العسكري يعاقب مصر كلها على هذه الثورة. وكأن مغزى ما قاله حسني مبارك لمحمد حسنين هيكل والعهدة على رواية الأخير.. القصد منه هذا العقاب القاسي.. فقد روى هيكل أن مبارك قال له ذات يوم إنه سيسلم البلد للمجلس العسكري إذا تأزمت الأمور..! وها هي ضاقت حلقاتها وأظنها لن تفرج إلا برحيل هذا المجلس من الإدارة السياسية للدولة لرئيس منتخب بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية مباشرة، فالأمور لا تحتمل أخطاء سنة أخرى
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.