"جسدي لم يعد قادرًا على الحراك، ففي كل شبر منه كدمة، لم أعد قادرة على تحديد لونه، فتارة أجده منقطًا بالأزرق، وتارة بالبُنّي، يا رب انتقم لي، وأبدِل كل ضربة يتلقاها جسدي من هذا الزوج المتوحش حسنة، وقوّني على تحمل مرارة العيش معه، فإنني لم أعد أطيق ما يفعل"، ذلك نص مجتزأ من شكوى سيدة عشرينية تقدمت بها إلى صحيفة "فلسطين"، سائلة عن حكم طلبها الطلاق من زوجها الذي يضربها في اليوم الواحد ثلاثًا أو ما يزيد. السيدة _كما قالت_ تعيش مع زوج يعاني أمراضًا نفسية تظهر أعراضها في ضربه لها، فهو أمام العامة رجل دمث الخلق، لا يفعل إلا ما هو "خير"، وهو ما يزيد ألمها، فهذه المرأة الهزيلة البنية تخشى أن تشكو همها إلى أحد فلا يصدقها، ويلقي باللوم عليها، رغم أنها الزوجة البارة المعطاءة، التي أرضت خالقها بطاعتها زوجها الذي يقابل إحسانها بإساءات معنوية وجسدية. فهل لهذه المرأة أن تطلب "الطلاق" من زوجها؟، أم أن "الضرب" ليس مبررًا لذلك؟، وكيف للمرأة صدّ زوجها عن ضربها؟، وماذا عن هذا "الفِعل"؟ [title]لإثبات رجولته [/title]مرت أكثر من عشر سنوات على زواج (أ.م)، إلا أن بطش زوجها بها لا يزال يزداد يومًا تلو الآخر، حتى أصبح لا يطيق دخول المنزل دون ضربها، باللكمات القوية، والعصي الغليظة، على مرأى من أطفالها الخمس، معتقدًا أنه بذلك يعدّ "رجلًا". ولاستبعاد الظن بها أنها تفعل ما يوجب تصرفه هذا قالت: "والله، إني أكثر الناس خوفًا منه وطاعة له، فأنا لا أقدر على رفض طلب له، أو اعتراض سلوكياته المستفزة في البيت، وأعيش بالقدر القليل من الاحتياجات، ولا أقصّر في أيٍّ من واجباته، وإن كنت في مرض شديد، ولكن هذا لا يشفع لي عنده"، مبينة أنها لا تجرؤ على إخبار والدها وأشقائها بذلك؛ خشية أن يجبروها على ترك منزلها وفراق أولادها. أما "إسراء" فذكرت أنه ليس بإمكانها السكوت عن ضرب زوجها لها، أيًّا كان فعلها، قائلة: "الضرب إساءة معنوية قبل أن تكون جسدية، فأنا أستغرب من النساء اللواتي يضربهن أزواجهن كيف يقبلن هذه الإهانة الكبيرة". وترى أن سكوت المرأة وقبولها الإهانة (الضرب) يدفعان الزوج إلى تكراره واتخاذه أسلوبًا في حياته، داعية النساء "المعنّفات" إلى عدم الخوف من أزواجهن، ومواجهتهم بكل السبل الممكنة للدفاع عن أنفسهن. [title]تأديب متدرّج[/title] يؤكد الداعية الإسلامي مصطفى سالم أن ضرب الرجل زوجته بشكل مبرح فعلٌ يخالف الشرع والعرف؛ لأن الإسلام منع أن تضرب المرأة إلا لعذرٍ شرعي يتمثل في نشوزها، شريطة أن يبتعد عن صفع الوجه ولا يتسبب في كسرها أو إحداث العاهات والإعاقات، لافتًا إلى أن بعضًا ذهب إلى أن الضرب يكون بالمسواك أو باليد. [title]الإسلام وضع حلًّا تأديبيًّا للناشز يبدأ بالنصيحة [/title]ويبين أن الزوج إذا رأى في زوجته نشوزًا؛ فعليه أن يعالجه بالحكمة بداية، بأن يعظها وينصحها، ويجادلها في سلوكها، فإن لم تستجب وتصلح من حالها؛ فله أن يهجرها في مضجعها، ثم ضربها ضربًا خفيفًا غير مؤذٍ إن لم تغيّر، وذلك بهدف حماية الحياة الزوجية، فقد قال (تعالى): "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا". وعن الحكم الخاص بإيذاء الرجل زوجته إيذاء جسديًّا أو معنويًّا، مادامت مُطيعة له وغير ناشز عليه؛ أكد أنه لا يجوز له إيذاؤها بأي شكل إذا كانت مطيعة ولم تبادر بفعل سيئ، وإذا قام بذلك مرارًا فيجوز لها طلب الطلاق منه، ورفع الأمر إلى الحاكم إذا لم يجبها. ولفت إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يضرب في حياته كلها خادمًا، ولا امرأة من نسائه، ومن ذلك ما جاء عن عائشة (رضي الله عنه) أنها قالت: "ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ (عز وجل)". [title]إسقاط نفسي [/title]ويرى أن من أكثر الأسباب التي تدفع الرجال إلى ضرب زوجاتهنّ وتعنيفهنّ بلا مبرر الإحساس بالنقص؛ فقد يشعر الزوج أنه أقل من زوجته في الذكاء أو الإمكانيات المادية أو المكانة الاجتماعية، ما يدفعه إلى إثبات عكس ذلك، فلا يجد أمامه سوى القوة الجسدية التي يمتلكها، ولاسيما عندما يعجز عن محاورتها فكريًّا، مبينًا أن الظروف الاجتماعية التي عاشها في طفولته لها أثرها أيضًا، كأن يكون قد شاهد والده مارس العنف ضد أمه أو العكس، فيحاول إسقاط الأمر على زوجته. ومن أهم الأسباب التي سردها غياب التوجيهات الإسلامية عن واقع المسلمين وعن حياتهم وسلوكهم، وانتشار مفاهيم خطأ عن معنى الرجولة والقوامة، ما يجعلهم يقعون في الخطأ، ويرتكبون المحرمات، ويفتعلون ما يغضب الله. [b]أنتِ ملومة [/b]ولامَ سالم كثيرًا من الزوجات المعنّفات على قبولهنّ الإهانة، والسكوت عن الضرب المبرح على أيدي أزواجهنّ، وذلك لخوفهن من الطلاق، وأضاف: "إن عرضت المرأة للضرب العنيف مرارًا يجب عليها عدم السكوت، وعليها أن تقف في وجه زوجها وتمنعه من ذلك باللسان أو اليد، وإن لم تفلح فلها أن تخبر من تجد فيه الخير للإصلاح". وذكّر بأن الحياة الزوجية هي سكن للزوجين، ولا يمكن أن تستقيم إلا بالمودة والرحمة، إلا أن تموجات الحياة تفرض الهم والكدر في بعض الأحيان، ما يعكر صفوها، ما يستدعي من الزوجين الحريصين على استقرار حياتهما، والحفاظ عليها إبداء اللين، والتخلي عن العناد الذي يوصلهما إلى طريق مسدود، داعيًا الرجال إلى وضع مخافة الله أمام أعينهم في تعاملهم مع نسائهم. وقال: "لا تظن _يا أخي_ أن بضربك زوجتك تستقيم رجولتك، لا والله؛ فما هذا إلا ضعف منك تحاول إخفاءه باستعراض عضلاتك"، مبينًا أن المرأة بطبيعتها رقيقة القلب ويمكن استمالة قلبها بلطيف الكلام وعذبه، وإن كان الأمر لا ينطبق على بعض النساء اللواتي يخالفن هذه الفطرة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.