الرقابة لا تعني التلصص أو الجاسوسية أو تصيد الأخطاء، ولا تعني أن يكلف شخص ما في مؤسسة ما من أجل جمع المعلومات عن موظفين أو عاملين في المؤسسة من أجل الابتزاز أو محاولة تجييرهم وتوظيفهم لخدمة الجهة المتنفذة داخل المؤسسات والوزارات والهيئات العامة أو الخاصة. الرقابة متنوعة وتختلف من مؤسسة إلى مؤسسة حسب تكوينها وتركيبتها السياسية والإدارية، فهناك رقابة إدارية ورقابة مالية ورقابة قضائية ورقابة شرعية، ورغم ذلك هناك مفهوم عام للرقابة، وبمفهوم بسيط للرقابة بأنها تشمل عمليات الإشراف والفحص والتفتيش والمراجعة والتحقق، التي تقوم بها سلطة مختصة وفق الدستور والقانون. أي إنها بمثابة عملية للتحقق من حسن الأداء الفعلي للمسئول أو الهيئة العامة أو الوحدة الإدارية وغيرها. بهذا المفهوم السهل للرقابة يفهم أنها أداة للفحص وهذا الفحص يفضي إلى التحقق من الإجراءات المتبعة في الجهات المختلفة لمعرفة حسن الأداء والوقوف على مواطن الصواب والخطأ والعمل على دراسة النتائج من أجل تعزيز الصواب ومعالجة الأخطاء لتحويلها إلى إيجابيات أو تلاشي الأسباب التي أدت إليها. لست عالماً في الإدارة؛ ولكن هذا فهمي لها والذي أرى فيه غيابًا في كثير من مؤسساتنا، بل هناك انتقائية في الرقابة متعلقة بقرب الموظف أو بعده أو في كون الموظف لا يخدم أهواء الجهة المسئولة عنه على مختلف مستوياتها، وهل هذا الموظف يساير عقلية المسئول ويسير في ركبه وينفذ هواه حتى لو كان غير مقتنع بما يؤمر به ولكن حتى لا يغضب المسئول يكون طيعاً هيناً وإن خالف الأصول العلمية والإدارية السليمة. الحكومة عادة تخضع للرقابة من قبل المجالس النيابية والوزراء وهم جزء من الحكومة يخضعون للمساءلة القانونية أمام هذه المجالس، والسؤال هل الوزير يخضع للرقابة من قبل الحكومة وهل الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي المسئول عن هذه الرقابة، أم أن دور الأمانة العامة فقط خدمة رئيس الحكومة والترتيب الإداري لجلسات الحكومة الأسبوعية، أم أن دورها يتعدى إلى دور الرقابة على الوزراء وعلى الوزارات نفسها. لا اعتقد أن هناك مستوى معينًا هو بعيد عن الرقابة، كما أن الموظفين يخضعون لرقابة ديوان الموظفين، يجب أن يكون هناك جهة تخضع الوزراء للرقابة غير المجالس النيابية بل جهة تتبع الحكومة مباشرة إما من خلال لجنة تتبع رئيس الوزراء مباشرة مكونة من وزراء في الحكومة، أو أن يكون دور الرقابة على الوزراء من خلال الأمانة العامة لمجلس الوزراء. الوزراء هم موظفون كبار في الحكومة، صحيح لهم مكانتهم الاعتبارية والسياسية ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون وهم دائماً بحاجة إلى تقويم وكذلك كافة الموظفين والعاملين الجميع يجتهد من أجل تقديم الأفضل، وقد يكون هذا الاجتهاد متسرعًا ولا يأخذ في الاعتبار مقدمات تقول إن هذا الاجتهاد لن يحقق المراد ونتائجه ستكون ضعيفة، ورغم ذلك يكون الإصرار مع وجود تلك النتائج الضعيفة لأن مقدماتها كانت تقول إن النتائج ستكون ضعيفة. من الضروري لتحسين الأداء أن تفعل الرقابة وألا يستثنى منها وزير أو وكيل أو مدير عام أو مدير أو غير ذلك من مستويات المسئولية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته. الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته]. نعم إنها المسئولية التي يجب ألا نغفلها أو نتغافل عنها عن عمد وسبق إصرار وترصد لغياب الرقابة، من الضروري أن يوقف الجميع أمام مسئولياتهم، والله تعالى يقول مخاطباً ملائكته "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ"، وحرصا منا على إخواننا يجب أن نوقفهم أمام مسئولياتهم ونُسائلهم قبل أن يُسألوا أمام الله لأنه عندها لن يجدوا الوسيلة لتقويم المعوج وسيكون حساب بلا عمل.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.