23.02°القدس
22.65°رام الله
21.64°الخليل
25.27°غزة
23.02° القدس
رام الله22.65°
الخليل21.64°
غزة25.27°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَن"

إذا أراد الله بأميرٍ أو مسئولٍ خيرًا هداه إلى اختيار مستشارين أو وزراء أمناء أتقياء أذكياء، يدلونه على الخير، ويشجعونه عليه، ويأمرونه بالمعروف ويعينونه عليه، وينهونه عن المنكر، ويقبحونه له، وإذا أراد الله به غير ذلك؛ أحاطه بالمنافقين المدّاحين المداهنين، الذين لا يشيرون عليه إلا بما يعتقدون أنه يرضيه، ولا يُفتونه إلا بما يتوقعون أنه يميل إليه، ولا ينقلون إليه من الأخبار إلا ما يسُرُّه، ويُخفون عنه هموم الناس ومصائبهم وحاجاتهم، ويمدحونه بما يستحقه، وما لا يستحقه، ولا يجرءون على ذكر عيوبه، ولا ينصحونه بتركها، بل إنهم يمدحون له هذه العيوب، ويقنعونه أنها من أهم مميزاته، ويحجبونه عن الرعية، ويدعونه إلى الظهور بمظاهر تصنع فيه داء الكبر، فيبغضه الله (تعالى) الذي لا يحب المتكبرين، ويكرهه الناس الذين فُطروا على كره من يتعالى عليهم، ويقصر في حقوقهم. وفي تاريخنا نماذج كثيرة لبطانات خير، أصلح الله بها الراعي والرعية؛ لأنها قالت فصدقت، وأشارت فأحسنت، ونصحت فصححت، ووعظت فأثّرت، ومن هؤلاء المستشارين عمر بن عبد العزيز الذي اختاره الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99هـ) مستشارًا له، وقال: "يا أبا حفص، إنا قد ولينا ما ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمُرْ به يُكتب"، فنصحه أن يخفف شدة الدولة على أهل العراق، التي اضطرت إليها في عهد الوليد، ففعل، وأن يفرج عن جميع معتقليهم الذين حبسهم الحجاج بسبب مشاركتهم في تمردات على الدولة، فأفرج عنهم، وأن يعزل الولاة القساة الذين عينهم الحجاج؛ ليشعر الناس بالأمان بعد الخوف، وبأن عهدًا جديدًا من اللين قد بدأ، فعزلهم، وأن يرسل الأعطيات إلى أهل العراق، بعد أن مُنعوها، فأرسلها، وأن يرد صلاة الجماعة في المساجد إلى وقتها بعد أن أميتت، فردها، إضافة إلى انحرافات كثيرة في الدولة والمجتمع نهى عمر بن عبد العزيز عنها سليمان، فصححت. وكان المستشار عمر بن عبد العزيز يحرص على ألا يتسرب الغرور إلى نفس الخليفة سليمان؛ لأنه يدرك أن الغرور هو الداء العضال الذي يدمر الحاكم أو المسئول إذا ما تسرب إلى قلبه، فقد سمعه وهو معه في موسم الحج يقول متباهيًا بكثرة الناس، فخورًا بأنهم جميعًا تحت سلطانه: "أما ترى هذا الخلق، الذين لا يحصي عددهم إلا الله (تعالى)، ولا يسع رزقهم غيره؟!"، فقال: "يا أمير المؤمنين، هؤلاء اليوم رعيتك، وغدًا خصماؤك"، فبكى بكاء شديدًا، ثم قال: "بالله أستعين"، وخرج سليمان بعد الحج ومعه عمر بن عبد العزيز إلى الطائف، فأبرقت السماء وأرعدت، ففزع سليمان، ونظر إلى عمر، فوجده يضحك، فتعجب من ضحكه، وقال: "ألا ترى ما هذا، يا أبا حفص؟!"، قال: "هذا عند نزول رحمته، فكيف لو كان عند نزول نقمته؟!". كما أحسن سليمان عندما جعل رجاء بن حيوة مستشارًا له، فهو الذي شجعه على تولية عمر بن عبد العزيز الخلافة بعده، ونهاه عن تولية أحد أبنائه، وطلب منه تأخير ولاية أخيه يزيد بن عبد الملك، وعندما مرض وهمّ بكتابة العهد لخليفة بعده، قال لرجاء: "لأعقدن عقدًا لا يكون للشيطان فيه نصيب"، وكتب باستخلاف عمر بن عبد العزيز، وبذلك كان سليمان سببًا في خير عظيم للأمة بعده، حتى إنه سُمِّي "مفتاح الخير"، وترحمت عليه الأمة وعلماؤها، فقال ابن سيرين: "رحم الله سليمان بن عبد الملك؛ افتتح خلافته بخير، وختمها بخير". وقد سجل التاريخ لهذا الخليفة الشاب غضبة لا تكون إلا من المؤمنين الرجال، فقد جاءه الخبر أن الروم خرجت على ساحل حمص، فسبت امرأة وجماعة، فغضب وقال: "ما هو إلا هذا، نغزوهم ويغزوننا، والله لأغزونّهم غزوة أفتح فيها القسطنطينية أو أموت دون ذلك"، فأعدّ جيشًا بريًّا يتكون من مائة وعشرين ألفًا، وجيشًا بحريًّا تحمله ألف سفينة، وجعل على الجيشين مسلمة بن عبد الملك، وتوجه هو إلى مرج دابق ليرابط قريبًا من ميدان القتال، ويتمكن في الوقت نفسه من إدارة الدولة، وكان مستشاره في هذه الغزوة موسى بن نصير، وحاصر المسلمون عاصمة الروم نحو سنة، وعندما وصل خبر الخديعة التي عُرّض لها الجيش الإسلامي هناك، غضب، وأقسم ألا يعود إلى دمشق، حتى يعد جيشًا آخر يفتح القسطنطينية، وبدأ في الإعداد، لكنه توفي في مرج دابق مرابطًا في سبيل الله، يجري أجره إلى يوم القيامة. رحم الله سليمان، ورزق أمتنا الأمراء والقادة والمسئولين الذين يختارون حولهم بطانة صالحة، تدرك معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ"