أحترم شخص وزير شئون الأسرى في حكومة فياض، فهو زميل سجن، وإنسان له أحاسيس، إلا أنني لا اتفق معه حين يقول: إن معركة "الأمعاء الخاوية" التي يخوضها الأسرى تأتي هذه المرة ضد حكومة "نتان ياهو" اليمينية المتطرفة، بالإضافة إلى إدارة السجون الإسرائيلية". إن في هذا الرأي خلطاً سياسياً، وخطأ عقائدياً جسيماً، ما زال السيد عباس يردده حين يقول: إن الشعب الإسرائيلي مؤيد للسلام، ومشكلتنا مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة "نتان ياهو"، لأنها حكومة يمينية لا تريد السلام!. هذا منطق سياسي مغلوط، يتناسى الأسباب العقائدية الكامنة خلف هجرة اليهود إلى فلسطين مطلع القرن الماضي، ويغفل كلام اليهود أنفسهم، وهم يقولون ليل نهار: إنهم عادوا إلى هذه البلاد الموعودة لهم من ربهم، عادوا لتحريرها من المحتلين العرب، وإن لهم كل الحق في كل هذا التراب الفلسطيني. السيد عيسى قراقع يقع في الخطأ نفسه حين يحمل المسئولية لحكومة "نتان ياهو"، متناسياً أن الأسرى الفلسطينيين خاضوا عشرات الإضرابات عن الطعام قبل أن يعرف "نتان ياهو" السياسة، والأسرى الفلسطينيون في السجون قبل أن ينتخب "نتان ياهو" عضو كنيست إسرائيلي، ثم؛ يتوجب على أصحاب منطق التبرئة أن يدركوا أن "نتان ياهو" رئيس وزراء منتخب، يعمل لصالح شعبه، ولا يفكر بعيداً عن مزاج الإسرائيليين العام. الأسرى الفلسطينيون يضربون عن الطعام طلباً للحرية، وبهدف الخلاص من السجن الذي زجهم فيه قادة حزب "العمل" المؤيد للسلام، وقادة حزب "كاديما" الذين عانقوا السيد عباس، وبقية قادة الأحزاب المعادية للصهيونية المتطرفة، إن تلك الأحزاب غير اليمينية هي التي تقف خلف عذاب الأسرى عشرات السنين في السجون الإسرائيلية!. الأسرى الفلسطينيون يضربون عن الطعام لأنهم قاوموا مغتصب أرضهم فلسطين، ولأنهم يريدون القدس محررة، عربية إسلامية، الأسرى يضربون عن الطعام لأن كرامتهم لا تقبل رؤية المستوطنين يغتصبون أشجار الزيتون، الأسرى يذوبون لأنهم يرفضون وجود حكومات فلسطينية، ورؤساء، ودولة فلسطينية على الورق، ولأنهم يرفضون بقاء الانقسام الفلسطيني، ويطالبون بوحدة الصف على أسس وطنية. لما سبق من قيم جليلة، يقف الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه مع أسراه، وتمد المقاومة الفلسطينية أذرعها لتحتضن أهداف الأسرى، وهي تفكر ليل نهار في نصرة الأسرى، من خلال التدبير لأسر مزيد من الجنود الإسرائيليين، مع التمسك بالمطالب العادلة لتنفيذ صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي الأسير "جلعاد شاليط". أقترح على وزير الأسرى أن يبدأ الإضراب المفتوح عن الطعام، وأن يقيم خيمة اعتصام وسط ميدان المنارة في رام الله، ليكون القائد الذي يقف في مقدمة جنوده، ولاسيما أن السيد عيسى قراقع أسير محرر، ويدرك دلالة مشاركته هو ووكلاء الوزارة، والقائمة الطويلة من الموظفين الذين صاروا "مدير عام"، إن مشاركة موظفي الوزارة في معركة الأمعاء الخاوية، لهو جزء من الوفاء للأسرى، وفيه مؤازرة، وتآخٍ مع الفلسطينيين وللأجانب المضربين عن الطعام أمام مقر الصليب الأحمر الدولي في غزة!. للتذكير، لقد سبق وأن أضرب وزير الأسرى "هشام عبد الرازق" مع عدد من الأسرى المحررين عن الطعام، وأقاموا خيمة اعتصام أمام المجلس التشريعي في غزة، وظلوا مضربين لأكثر من أسبوع، سنة 1998، عشية زيارة الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" لقطاع غزة، ولكن المفسدين للسياسة أبوا أن يرى الرئيس الأمريكي خيمة الاعتصام، وأبوا أن تركز وسائل الإعلام على الأسرى المضربين عن الطعام، فأشاروا على الرئيس أبي عمار بأن يأمر بإنهاء الإضراب، وهددوا بتفكيك خيمة الاعتصام بالقوة، إذ ليس من اللائق أن يواجه الرئيس الأمريكي بإضراب مفتوح عن الطعام تضامناً من الأسرى في السجون الإسرائيلية، وبالفعل تم إنهاء الإضراب، وفك خيمة الاعتصام قبل دقائق معدودة من وصول الرئيس الأمريكي. لعل وزير الأسرى الحالي ينجح في تحقيق ما عجز عن تحقيقه السابقون
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.