بعيدا عن التحليلات الفلسفية لحرب ماسبيرو أمس والتي ازدحمت بها شاشات القنوات الفضائية، فان السؤال العاجل جدا الذي يجب أن يفرض نفسه: كيف تحولت المظاهرات لأول مرة إلى التسلح وإطلاق الرصاص الحي؟!.. من درب المتظاهرون عليها، خصوصا أنها أسلحة آلية من نوع مختلف عما يحمله جنود الشرطة العسكرية، وهذا ينفي ما قاله بعض المراسلين في القنوات الفضائية بأنهم استولوا عليها من مركبات الجيش. نحن في الواقع أمام خطر جلل. ليس بسبب فداحة الاشتباكات وقسوتها والخسائر البشرية الهائلة التي تتجاوز العشرات، ولكن بسبب انتقال المظاهرات إلى القتال المسلح المدرب عليه تدريبا عاليا، بمعنى أن المظاهرة لم تتحول من السلمية إلى القتال الحربي بالمصادفة. لقد اختار المخططون.. المتظاهرين "الأقباط" تحديدا لبدء العنف المسلح ضد الجيش على أساس أن جنود الشرطة العسكرية وقوات الشرطة المدنية الذين اعتادوا على مظاهرات سلمية سيفاجئون برصاص ينهمر عليهم من آلاف القادمين فجأة من طرق مختلفة إلى ماسبيرو، والمتوقع أن يرد الجنود فورا بالرصاص ليدافعوا عن أنفسهم خصوصا عندما يرون زملاءهم يتساقطون. والنتيجة أن الخسائر الأكبر ستكون في صفوف المتظاهرين الأقباط باعتبار أن قوات الجيش والشرطة تملك عامل التفوق والتمركز. لذلك رأينا حملة متوازية يقودها نشطاء سياسيون وحقوقيون، تولوا الاتصال بالفضائيات ليقدموا أرقام الضحايا الأقباط. أحدهم قال لقناة النيل للأخبار إن المستشفى القبطي استقبل 38 جثة. وآخر قال لقناة أخرى إنه متواجد في ميدان رمسيس وشاهد 21 جثة تتوجه لذات المستشفى. هنا نقول إن الأرقام الرسمية تحدثت حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس عن 19 قتيلا من الجيش وقوات الشرطة ومئات المصابين. نعود إلى السؤال حول الأسلحة والتدريب عليها، فإطلاقها من المتظاهرين كان ينم عن تدريب عال.. فهل هذا نتيجة الانفلات الأمني في الشارع.. أم أسلحة تسللت إلينا من ليبيا.. أم ماذا؟! إن قيادة الكنيسة الأرثوذكسية استقبلت يوم الجمعة الماضي الشباب الذين تظاهروا في المرة السابقة أمام ماسبيرو واعتبروهم شجعانا يدافعون عن حقوق الأقباط.. فأعتبر بعضهم ذلك بمثابة فتوى دينية صريحة أنتجت ما حدث أمس؟! هل ما حدث يعني أن الوضع انفلت من سلطة الدولة؟.. ماذا كان يمكن حدوثه لو تدخل المسلمون في هذه الحرب كرد فعل على إطلاق الرصاص والتخريب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة من المتظاهرين الأقباط؟! هل كان الوضع سينحصر في ميدان التحرير وأمام ماسبيرو.. وكيف كان فلاسفة الفضائيات سيعالجونه حينئذ؟.. نحن أمام وضع جديد حاليا. فالمظاهرات القبطية المسلحة لن تتوقف بسهولة. وهناك حالة احتقان على الجانب الآخر ، وقد يؤدي إلى رد مسلح أيضا.. وهكذا يكتمل المخطط بإغراق مصر في حرب طائفية حقيقية لأول مرة في تاريخها.. ثم تدخل دولي وحماية وتقسيم..إلخ. لقد تعودنا أن تتدخل الكنيسة في الوقت المناسب ويحسم البابا شنودة الأمور الخطيرة لما له من سلطات دينية ودنيوية واسعة ومؤثرة على المسيحيين، لكن هذه المرة التزم الجميع بالصمت.. ولم نسمع إلا عن إتصالات يحاول أن يقوم بها شيخ الأزهر معهم للحيلولة دون تطور الأوضاع. بقي أن أعيد ما سمعته من البعض.. لماذا صمتت الإدارة السياسية والعسكرية عن تهديدات سبقت هذه المظاهرة بأيام ولم تتخذ إجراءات تأمينية؟.. لماذا تركت المتظاهرون يتحركون بالآلاف من دوران شبرا إلى ماسبيرو بدون أي معلومات أمنية أو تحريات عن نواياهم وعن الأسلحة الآلية التي معهم؟!.. هل معنى ذلك أنه لم يعد هناك حس أمني ولا تحريات ولا معلومات وأن مصر صارت ساحة مفتوحة للتخريب من جميع القوى؟! وماذا يحمله الغد؟.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.