مصر بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ لا تتحدث عن الاقتصاد، ولا تتكلم عن المال . الاحتياط النقدي بالعملات الأجنبية يتناقص ولكن لا حديث عنه في إعلام رجال الأعمال أو إعلام الدولة . لا أخبار ولا برامج حوارية عن الجنيه المصري وحالته أمام الدولار . لا حديث في مصر عن القمح ولا عن العيش ،ولا عن ارتفاع الأسعار ، ولا حتى عن الاحتكار ، وعودة السوق السوداء. مصر الآن لا تتحدث عن شيء من هذا مماله علاقة بالحياة اليومية للمواطن الفقير والمعدوم . مصر تتحدث عن الإخوان وعن الاعتصامات ، وعن التهديدات التي تمثلها اعتصامات رابعة أو النهضة ، وتتحدث عن الدراما والمسرحيات و لا شأن لها بالرئيس المؤقت أو بالحكومة أو بالشأن العام ، فقد انتهى دورها ، بانتهاء مقاولة الباطن . مصر لا تتحدث الآن عن العدالة ، وعن القانون ، ولا تناقش البرامج الحوارية قرارات النائب العام وسلطاته ، ولا تعقب على أحكام الإيقاف والحبس على ذمم التحقيق ، ولا حديث عن اعتقالات الفجر ، ولا عن إضراب المعتقلين عن الطعام ، ولا حديث عن حقوق المواطن وانتهاكات حقوق الإنسان. في عام واحد في ظل حكم محمد مرسي غرقت مصر في بحر من الثقافة القانونية ، وعرف المجتمع المصري كل أصناف المحاكم الإدارية ، والجنائية ، والعليا ، والنقض ، والدستورية ، وتحدثت الفنانات والراقصات عن القانون ، وعن آليات تعيين النائب العام ، وعن الإعلانات الدستورية الصحيحة والمكملة ، وخاطب الزند وغيره العالم القانوني باللغات الأجنبية ، وأشعل القضاء النيران في كل المحطات التي توقف عندها قطار محمد مرسي وحكومته . وبعد أن انتهى العام وزع القضاء الشهادات على المشاركين ، ومنحهم إجازة تفرغ بعد أن تسلم العسكر والنائب العام المهام كلها ، ولم تعد مصر في حاجة إلى ثقافة قانونية ، ولا إلى حوارات قضائية ، فالتيار الإسلامي المعتقل والملاحق بالقمع لا شأن له بالقانون . مصر التي توقفت عن الحديث في الاقتصاد ، وعن الحديث في المال ، وعن الحديث في القانون والقضاء ، توقفت عن الحديث في الكرامة الإنسانية التي هي حق للمواطن كالعيش والعدالة سواء بسواء . لا حديث في إعلام مصر عن الذين فقدوا حياتهم بيد البلطجية ، أو الداخلية ، أو الجيش ، لأن من يُقتل برصاص الدولة اليوم لا كرامة له ولا حقوق له ، لأنه عرض نفسه للموت بخروجه في مظاهرات ضد الدولة التي تملك الحياة وتملك الرصاص أيضاً . إعلام مصر الذي أرهق محمد مرسي والإخوان قبل ٣ يوليو ، وأدخلهم إلى عالم الشياطين والعفاريت من خلال مقاولة الباطن قطع لسانه وألقاه بعيدا عن السياسة بعد٣ يوليو ، ودخل عالم الدراما والمسلسلات تخفيفاً وترويحاً عن الحبيب بعد عام من الشقاء والضنك ، وتعتيماً على رابعة والنهضة ، وإخفاء لتوغلات الداخلية وعدوانا على كرامة المواطنين . مصر قبل ٣ يوليو ليست هي مصر بعده وتلكم حقيقة تقوم عليها شواهد واقعية تستفز الدارسين والباحثين لقراءتها بحسب مناهج الحداثة ، ومعطيات علوم النفس وعلوم المال ٠ قد يختلف الدارسون في تحليل الظواهر والمدخلات والمخرجات ، ولكنهم لا يختلفون أبداً على الحقيقة القائلة بانقلاب المشهد بكل مكوناته المنظورة وغير المنظورة في ذلك اليوم .لذا يجدر بكل مهتم أن يحذر مقاولات الباطن.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.