20.01°القدس
19.66°رام الله
18.86°الخليل
24.28°غزة
20.01° القدس
رام الله19.66°
الخليل18.86°
غزة24.28°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: بالأربعة وبالعشرة أختم بالولاء لرابعة

بالرغم من ألم مجزرة الفض إلاّ أنّ هناك شيئا تغيَّر في نفوس كثير من الناس من ذوي الفطرة السليمة التي لم يلوثها عفن الجهل وعمى الكراهية. هناك شيء تغيَّر في عيون الشباب فأضاءت من بعد انطفاء، وحدقت من بعد زواغ، واستقامت أجسادهم من بعد انحناء، فالكرامة والحرية ترفعان كل ما أحنى الاستبداد والطغيان، والرضوخ لهما يسفل بالإنسان حتى يصبح كالبهائم، ولعلّ الكواكبي في صرخته قبل أكثر من مئة عام قال ذات الشيء: «ماذا ترجون من تقبيل الأذيال والأعتاب وخفض الصوت ونكس الرأس؟ أليس منشأ هذا الصغار كله ضعف ثقتكم بأنفسكم، أجدادكم ينامون الآن في قبورهم مستوين أعزاء وأنتم أحياء معوجة رقابكم! البهائم تود لو تنتصب قاماتها وأنتم من كثرة الخضوع كادت تصير أيديكم قوائم، لفظتكم الأرض لتكونوا على ظهرها وأنتم حريصون على أن تنغرسوا في جوفها فإن كان بطن الأرض بغيتكم فاصبروا قليلا حتى تناموا طويلا». ليس سيل الدماء مدعاة للانكسار فلقد نشرت الأمم من قبلنا بالمناشير حتى جاءها النصر دون استعجال، الهزيمة مرة والكبوة مرتين لا تمنع الفرس الأصيلة من متابعة السباق، وما بين القنوط والقنوت ليس حرفا فقط وإنّما ترسانة وحواجز إيمان وعمل دؤوب يأخذ من الجرح حافزا للالتئام ومن المرض سبيلا إلى الشفاء. نعم يتغيَّر البشر وتتغيَّر عقلياتهم ونفسياتهم في مواطن البلاء والانتصار على الذات والمخاوف ومعانقة القيم العليا، فأنس بن النضر عندما سمع بإشاعة موت الرسول صل الله عليه وسلم قال لأصحابه: «فما بالكم ألقيتم السلاح قوموا فموتوا على ما مات عليه» وازداد تصميما وإصرارا على المضي في درب الشهادة دون تراجع أو وجل ولكثرة ما لقي من الطعنات وتحمل لم يُعرف إلاّ من إبهامه. ولمّا رجع المسلمون من غزوة أحد مثخنين بجراح النفس والجسد أخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم سريعا ليعلمهم أن لا يستسلموا للهزيمة لا نفسيا ولا ماديا، فالكبوة يجب أن يتبعها نهضة والفرار كرة إن كان الجنود صادقين في الفهم والعمل. حذروهم بعد مجزرة الفض وفرضوا حظر التجوال ولكنهم جاؤوا متأخرين «فاتهم القطار» و»هرمت» فزاعاتهم بانتظار عودة عقارب الساعة إلى الوراء لزمن ما قبل الثورة، فبعد رابعة خصوصا لم يعد ينفع أيّ حظر فقد زال من النفوس الخوف على الحياة والرزق وبعد التحرر من هذين لا حدّ بين النفس المؤمنة وارتقائها إلى عرش الرحمن كما كان في حال سعد بن معاذ الذي ظلّ جرحه ينتظر لحظة الحسم الأخير والنصر المبين ثم انفجر بعدها ليحقق نصره الشخصي بنيل الشهادة. نعم تتغيَّر النفوس عندما تداعبها أشواق الحرية والكرامة فيدخل ربعي بن عامر بفرسه الكبير المعقور وثوبه الممزق غير آبه بطيلسان وقوة رستم ليبشره بزوال ملكه وكذلك يقف المعتصمون المسالمون العزّل أمام آلة القتل بصدور عارية إلاّ من إيمانها. حتى المشاهدين القاعدين يتغيّرون، فالتغيير جارف يعمّ الجميع ولا يستأذن أو يطرق الأبواب والشجاعة معدية لمن في نفسه ذرة خير، كما النذالة معدية لمن يتردد السوء في نفسه، والكرامة معدية وهما يعرفان طريقهما إلى القلوب الطيبة لينفخا الحياة في أجساد أماتها الاستعباد والقهر. طفل رضيع، شاب في مقتبل العمر، رجل في أشده، شيخ قد بلغ من الكبر عتيا كلهم يُقتلون ويستشهدون طفلة، عروس، أم، بنت، أخت، عجوز كلهن يُقتلن ويستشهدن. كل الصور والحالات رأيناها، بكيناها، أحببناها، وخزنّاها في ذاكرة القلب والعقل استعدادا. خزنّاها وكل قلب وعقل عربي مؤمن حكيم يدعو لبلده وشعبه بالأمان والرخاء والعدالة والحفظ، ولكن إن احتاج البلد والأهل فالصور والأمثلة موجودة للاستدعاء والاستنساخ. نعم تغيَّرت العقول وطريقة التفكير، هل أدلّ على ذلك من أنّنا غيّرنا مثلاً رمز النصر V الذي أثقل كاهلنا بالتبعية للغرب ونحن في حيص بيص لا نعرف أنرفعه في شوقنا وجوعتنا للنصر مقلِّدين لدول وشعوب تحتلّنا فعليا أو ثقافيا وتكبت هويتنا العربية والإسلامية، أم نستبدله بسبابة الشهادة التي تنتمي لعقيدتنا ومبادئنا أم نراوح بين الاثنين؟ تغيَّر العقل في مدرسة رابعة وتغيَّرت القدوات والنماذج وأصبحت الرموز، حتى الرموز، مستوحاة من مدرسة لا إله إلاّ الله وصحابة وتابعي رسول الله، فأصبح رمز النصر الجديد بالأصابع الأربعة دون الإبهام ليشير إلى رابعة وهو فكرة أحفاد العثمانيين الذين حموا الأمة وحفظوا لها هويتها وتميُّزها قروناً. ماذا لو دامت مدرسة رابعة؟ ماذا كان سيكون لو قدر الله لها أن تستمر؟ تصنيع سيارات، تصنيع أجهزة حاسوب، اكتفاء غذائي، منافسة عالمية ودول عربية عظمى على الخارطة وفي نهاية المطاف الوعد الأكبر بتحرير أرض المحشر والمنشر؟ لقد انفضّت رابعة ولكن الدروس باقية وهذا جيل عزم أن لا يكون من تنابلة السلطان ولا من عبدة الدولار بالأربعة وبالعشرة، وبكامل قواي العقلية وشهاداتي الجامعية، أختم بالولاء لرابعة.